ثورة مصر وسنابل روج آفا

   محسن عوض الله / صدى سيا –

 منذ أوائل عام 2016 تتعرّض مناطق شمال وشرق سوريّا لكمّ من المؤامرات والتهديدات تكفي لإسقاط دولٍ وأنظمة، ويكاد لا يمرّ يومٌ دون تهديدٍ أردوغانيّ باقتحام مناطق روج آفا وإسقاط إدارتها بزعم تهديدها للأمن القوميّ التركيّ، العداء لفيدراليّة شمال سوريّا لم يتوقف عند حدود تركيّا، بل تجاوزها ليشمل روسيا التي تعادي الأكراد لا لشيء سوى لعلاقتهم بالولايات المتّحدة العدو التاريخيّ لموسكو التي لعبت دوراً مشبوهاً في احتلال تركيّا لعفرين.

النظام في دمشق لم يتوقف بدورها عن معاداة روج آفا واستهدافها سوى بالتصريحات والتهديدات أو بمحاولة إثارة الفتنة، ودفع عملائها للتظاهر ضدّ الإدارة الذاتيّة، وقبل كلّ هؤلاء يأتي “داعش” الذي سعى لاحتلال شمال سوريّا وإقامة خلافته المزعومة قبل أن تسقط على يد أبطال “ق س د” وهو ما زاد من عداء التنظيم للفيدراليّة وإدارتها وجعلها هدفاً دائماً للتنظيم رغم سقوطه. فشل الحرب العسكريّة ضدّ روج آفا بعد سقوط “داعش”، واستقرار الإدارة بعد احتلال تركيّا لعفرين، وعجز أنقرة عن مدّ عمليّاتها لشرق الفرات، دفعت أعداء فيدراليّة شمال سوريّا لتغيير استراتيجيّتهم من الحرب ومواجهة الرجال إلى سياسة الأرض المحروقة باستهداف سنابل القمح في محاولةٍ لكسر إرادة روج آفا وشعبها.

حربٌ على سنابل الخير، تواجهها روج آفا وشعبها في محاولةٍ يائسة وبائسة من نظام البعث وعملائه، وميليشيّات تركيّا وحلفائها لتجويع شمال سوريّا وهزّ الاستقرار بمناطق الإدارة الذاتيّة، ونشر حالةٍ من الفوضى قد تدفع – كما يأملون-لسقوط الإدارة اقتصاديّاً بعد أن فشلوا في إسقاطها عسكريّاً. لا يمكن القول أنّ هذه الحرب الاقتصاديّة تواجه الأكراد كقوميّةٍ، بل موجّهة بشكلٍ أساسيّ لفكرة الأمّة الديمقراطيّة وأخوّة الشعوب التي تتبناها الإدارة الذاتيّة بشمال سوريّا، فالنيران لم تفرّق بين أراضي السريانيّ أو الكلدانيّ أو العربيّ، فالعدو يستهدف الجميع، يسعى لكسرهم وتجويعهم، لا يريدون تجربة ديمقراطيّةٍ تفضح استبدادهم، يخشون شفافيّة تكشف فسادهم، وعدالة تصل بهم لأحبال المشانق.

رغم قذارة الحرب الاقتصاديّة، ودناءة من يحرقون سنابل الخير إلّا أنّها تحمل رسالة إيجابيّة مفادها أنّ سياسة المواجهات المباشرة عسكريّة كانت أو سياسيّة قد فشلت في إجهاض تجربة روج آفا، ولم يعد هناك حيلة سوى ممارسة سياسة قطّاعي الطرق، ولصوص الليل، هؤلاء الذين لا يعترفون بقانونٍ ولا يلتزمون بأخلاق. لجوء النظام الذي أراه المتورّط الأوّل في حرائق سنابل الخير بشمال سوريّا لمثل هذه السياسة الإجراميّة يذكّرني بما حدث في مصر إبّان ثورة 25 يناير، حينما انسحبت الشرطة من أماكنها، وفتحت السجون أمام المسجّلين خطر، وأرباب السوابق الجنائيّة، لنشر الرعب وسط المصريّين وتهديد أمنهم في محاولةٍ حقيرة لإثارة عموم الشعب ضدّ الثوّار وإفشال الثورة السلميّة.

أثار هؤلاء الرعب بمصر خلال الثورة ولكن جاء الحلّ سريعاً من الشعب حيث نظم المصريّون ما سُمّي وقتها بـ “اللجان الشعبيّة” وهي أشبه بشرطةٍ شعبيّة في كلّ منطقة مهمّتها حماية المنطقة من هؤلاء، ومواجهة أيّ خروجٍ على القانون، وبالفعل نجحت الجهود الشعبيّة في مواجهة خطّة إجهاض الثورة المصريّة، وتمّ القضاء على بلطجيّة النظام وإحباط مخطّط الفوضى. ويمكن للإدارة الذاتيّة، وشعوب شمال سوريّا الاستعانة بتجربة اللجان الشعبيّة المصريّة لمساعدة الأسايش وقوى الأمن الداخليّ بروج آفا في مواجهة عملاء النظام المتورّطين في إشعال الحرائق.

يجب أن يتمّ تشكيل لجانٍ شعبيّة، تتولّى حراسة الحقول على مدار الساعة، مع تسليم كلّ من يتمّ ضبطه لقوّات الأسايش أو قوّات سوريّا الديمقراطيّة، تشكيل اللجان يكون وفق المربّعات السكنيّة بحيث يتولّى كلّ أهل منطقة حماية مناطقهم ليكونوا على علمٍ بكلّ شخصٍ غريب يدخل إليها. يجب أن تكثف وحدات الأسايش تواجدها بمحيط حقول القمح باعتبارها نقاط جريمةٍ مستهدفة، على أن تتسلّم كلّ من يشتبه في تورّطه بالجريمة من اللجان الشعبيّة وتحاكمه وفق قانون الإدارة الذاتيّة مع حمايته من الأهالي الغاضبين حتّى لا يتحوّل الأمر لغابةٍ يسقط معها القانون وهو ما يريده النظام وأعداء روج آفا.

ختاماً أهمس في أذن كلّ أبٍ أو شيخٍ أو مزارعٍ احترق محصوله وشبّ الحريق في أرضه، لا تحزن، فسوف تزهر أرضك من جديد، وستشرق سنابل القمح كالشمس في وضح النهار، وستنبت في كلّ سنبلةٍ مائة حبّة، وسيعوّضك الله خيراً مما فقدت ويقولون متى هو؟  قلّ عسى أن يكون قريباً.