No Result
View All Result
المشاهدات 1
حسام اسماعيل –
ظاهرةُ الإدمانِ على مَواقع التَواصل الاجتماعي من الظواهر التي بَدأت تَستحوذ على عُقول وقُلوب شبابنا هذهِ الأيام، وربما أصبحت أحد الوسائل المُتوفرة للهُروبِ من الواقعِ الغير مُرضي في الحقيقة إلى واقعٍ افتراضي، لا يُمكن تَصورهُ ويَستحيل تَطبيقه ُعلى أرضِ الواقع، وقد يُؤدي في كثيرٍ من الحالات إلى حدِ الوُصول إلى مَرحلة الرَّغبة في الانتحار والموت بسبب اصطدام الشخص بالواقع واستمرار تَجاهله.
والسؤال الصعب الذي يَجب أن يُطرح هو؛ هل ستُصبح هذهِ الوسائل بديلة عن الوسائل الطبيعيَّة للتواصل بين الأفراد أو بين المُجتمعات؟! وما هو السبيلُ لتَجنيب مُجتمعاتنا سلبيات وتأثيرات هذهِ المواقع؟!، لأنَّ هنالك مُؤشرات لانتقال عدواها إلى المجالس المُعروفة بأنَّها مُحافظة ومُتمسكة بالأصالة وهي الديوانيات (المضافات الشعبيَّة)، وهي إحدى أهم وسائل التواصل من خلالِ الأخبار التي يَتناقلها المُسافرون العَابرون والشعراء وراوي القصص منها الواقعيَّة أو التي هي من نسجِ الخيال، والتي تُعتبر من أقدم وسائل التواصل الموجودة في مُجتمعاتنا، وتَنشر كلَّ الخصال الكريمة والعريقة والشيم الأصيَّلة التي تُحقق الترابط بين كافة المُجتمعات، ونبذ كل الصفات اللاأخلاقيَّة السلبيَّة التي تُفشي الكراهيَّة وتُولد الحقدَ والضغينة بين الأفراد أو الجماعات وتُؤدي بها إلى التَفكك، وتُورث الخصال السيئة والذَميمة.
من هنا يَجب التوقف والتفكيرُ ملياً كيف يُمكن التَّمسك بعاداتنا الأصيّلة؟ وكيف يُمكن الرجوع بالمُجتمعات إلى الأصالة المَعهودة؟ في ظلِّ وجودِ هذا الكم الهائل من المُغريات المبنيَّة على مَحو ذاكرة المُجتمعات والقضاء نهائياً على عادات التَّرابط الاجتماعي بين الأفراد أو الأسر أو المُجتمعات، لتَتَحول مجتمعاتنا إلى مُجتمعات أخرى، تُشابه وإلى حدٍ بعيد المُجتمعات الغربيَّة المُتفككة أسرياً، والتي بدأت مُنذ زمن باستيعاب أثر التفكك الأسري المُجتمعي، وتُحاول ترميم مُجتمعاتها المُنهارة اجتماعياً وأخلاقياً، هنا تَكمنُ المُشكلة العويصة التي يَجب أن نُراجع حساباتنا ملياً بشأنها والعمل لإيجاد الحُلول المُناسبة التي ترجع مُجتمعاتنا إلى طبيعته الأولى، ولا أقصد هذا بالمطلق ولا يُفهم من الأمر أنني أدعوا إلى الرجوع إلى هذهِ العادات التي ترجعنا خطوات كثيرة إلى الوراء، بل ما أقصده هو التمسك بها، والعمل على تطويرها بطريقة عصريَّة، دون أن تجعلنا فاقدي الهويَّة أو من المُنجرين إلى دوامة الحداثة الرأسماليَّة المَبنيَّة على تَغيير هويَّة المُجتمع، وجرِّه إلى الصهر ليُصبح دونما هويَّة، الكثير من الشَّباب أو من شريّحة اليافعين أصبحوا من المُدمنين على مَواقع التواصل الاجتماعي التي جَعلتهم مُنزوين على أنفسهم في إحدى الغرف في البيتِ أو في المدرسة ليَتفرد بهاتفهِ الذكي للتَواصل مع شخصياتٍ قد تَكون افتراضيَّة أو غير واقعيَّة، أو مُمارسة ألعاب لحدِ الوصول إلى الإدمان، وإذا واجهته مُشكلة ربما يُحاول أن يحلها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا أراد أن يَأكل يضعُ الهاتف أمامه لكي لا يُفوت الفرصة عليّه، وإذا أردتَ أن تُكلمه فلن تحظى بما يحظا به هاتفهُ الذي أصبحَ الجزء الأهم في حياتهِ، وإذا افترضنا أنَّه جلسَ وتَرك تَوأم روحهُ (الهاتف) مع أسرتهِ أو مع أقاربهِ أو أي مَجموعة من الأشخاصِ، للأسف لا يَستطيعُ أن يَتكلم خمسَ دقائق مُتواصلة مَعهم لدرجة أنَّه أصبحَ عاجز عن التَعبير عما يَجولُ في خلدهِ فيفقدُ القدرة على التّعبير.
ربما ابتعدت كثيراً عن الموضوع الرئيسي الذي أحُاول استهدافه لكن يَجب طرح الكثير من الأسئلة بهذا الصّدد، وتَحليل هذهِ المُشكلة من كل نواحيها الإيجابيَّة والسلبيَّة، لأنَّ مُشكلة الإدمان السلبي هذهِ تَجعلُ الكثيرَ من شبابنا يَنجرون بطريقةٍ أو بأخرى إلى الاعِتزال، وحبِّ الذات والفرديَّة والعيش في عالمٍ افتراضيٍ بعيد كل البُعد عن الواقع والحقيقة، من ثم اكتساب عاداتٍ أو ارتكاب تَصرفات سلبيَّة مُنافيَّة تماماً لعادات أو شيم مُجتمعاتنا الأصيلة، التي تُؤدي إلى التَفكك الأسرّي، وهَدم قيّم التّرابُط الأسري التي بُنيت عليها مُجتمعاتنا.
بالمقابل يَجب أن لا نَتجاهل الجانب الإيجابي لهذهِ المواقع، ونَستطيع القُول بأنَّها سيفٌ ذو حديّن، حيثُ نَستطيع إبراز عادات وتَقاليد مُجتمعاتنا إلى العالم بأسرهِ، من خلال عرضِ الكَثير من المَواضيع، وطرحها على مَواقع التَواصل الاجتماعي بشكلٍ منظمٍ وأكثر فاعليَّةً، وبَعيد كلَّ البُعد عن العشوائيَّة التي لا تُوصل الصورة الحقيقيَّة، وحتى إن وصلت فهي تَصل بطريقةٍ مُشوهةٍ، لذلك يَجب تَوظيف تلك المَواقع وهذا الأمر لا يَتأتى من الفَراغ بل بحاجة إلى شَباب واعي أصيّل مُؤمن بهويتهِ ويَستوعب تماماً حَجم تأثير التَشويّه الثّقافي المَقصود من قِبل الدُول التي تُمارسُ أسلوبَ الحرّبِ الخاصة، والتأثير على شَريحةِ الشباب بالذات من خِلال هذهِ المَواقع.
لا شكَّ بأنَّ الحرّب التي مَرّت على سوريا أثرت وبشكلٍ كبيرٍ على شَبابنا، وخاصةً الشَباب الذين هم خَارج تُراب الوطن السوري المُعرضين والمُهددين بالصهرِ الثقافي والأخلاقي، لأنَّهم بَعيدين عن التُربة الطيبة التي عَاشوا فيها، والتي تَغذوا واستَمدوا كلَّ ذلك من جُذورها، والخَوف من التَأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي كلَّ الخَوف على شَبابنا بالذات، لأنَّنا بحاجةٍ إلى سواعدهم في هذهِ المَرحلة القاسيَّة والصَعبة التي تمرُّ بها بلدنا.
No Result
View All Result