روناهي/ الرقة ـ أوضحت رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا “نيروز مسلم”، إن مستقبل المرأة السورية في ظل ذهنية السلطة الحالية لا يزال محفوفاً بالمخاطر، وأشادت بتجربة المرأة في الإدارة الذاتية وضرورة تعميمه في سوريا ككل.
في الوقت الذي حلم فيه السوريون بالتغيير، كانت المرأة في مقدمة من دفعن ثمن هذا الحلم، على مدار 14 عاماً من الصراع السوري، كانت النساء ضحايا مباشرة لمختلف أشكال الانتهاكات، من القتل والتعذيب إلى التشريد والتمييز والإقصاء السياسي.
واليوم، وبعد أكثر من عقد من الحرب، ووسط محاولات إعادة صياغة مستقبل البلاد، تطرح تساؤلات جدية، هل حصلت المرأة السورية على مكانها العادل؟ هل زالت الأخطار؟ وهل يمكن الحديث فعلاً عن تحرر نسوي في سوريا المستقبل؟
ومنذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وجدت المرأة السورية نفسها في عين العاصفة. بداية من القمع الأمني الذي طال الناشطات، إلى الاغتصاب كسلاح حرب، والاعتقال التعسفي، والتجنيد القسري، وفرض القيود الأيديولوجية من قبل أطراف متشددة.
استهداف ممنهج للمرأة
في السياق، وصفت رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا “نيروز مسلم”، في لقاء خاص لصحيفتنا “روناهي”، وضع النساء بأنه استهداف مستمر وممنهج: “المرأة في سوريا لم تكن يوماً خارج ساحة الاستهداف. عانت من النظام الديكتاتوري كأم وابنة وزوجة ومعتقلة، وحين حلمت بالحرية، وجدت نفسها أمام موجة جديدة من الإبادة والانتهاكات، خصوصاً في المناطق التي تحررت من الاستبداد”.
وأشارت نيروز إلى: “إن الجرائم التي تطال النساء ليست فردية، بل تمارس كجزء من سياسات ممنهجة في بعض المناطق، وخاصة في المناطق الحدودية أو المتوترة، حيث تستهدف النساء الناشطات، والطالبات في الجامعات، وكل من تحاول كسر الصورة النمطية”.
الإدارة الذاتية.. نموذج ديمقراطي
في مقابل الانهيار المؤسساتي في معظم أنحاء سوريا، برزت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا كنموذج مختلف، خاصة في مقاربتها لمسألة تمكين المرأة. وتقول نيروز: “منذ تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية، كان من أولوياتنا بناء مؤسسات نسوية قوية، تضمن مشاركة المرأة في صنع القرار، وتحميها قانونياً ومجتمعياً. لدينا هيئات مخصصة، وقوانين تمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات، وتحاكم العنف الأسري بصرامة”.
وتُعتبر هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، من أبرز المؤسسات التي لعبت دوراً في تعزيز وعي النساء، وتنظيم صفوفهن سياسياً واجتماعياً، وتمكينهن من أداء أدوار فعالة في القطاعات كافة، من البلديات إلى المجالس التشريعية.
ضمان حقوق المرأة في الدستور
في الوقت الذي تطرح فيه مسودات وأفكار حول “دستور جديد لسوريا”، لا تزال مشاركة النساء فيه محدودة ومثيرة للقلق، وترى نيروز: “الدستور الجديد المطروح لا يعكس طموحات النساء، ولا يضمن لهن مشاركة متكافئة. لا نرى وجوداً كافياً للمرأة لا في كتابة الدستور، ولا في بنوده، وهذا يعني أننا أمام تكرار لمنظومة الإقصاء القديمة، ولكن بصيغة جديدة”.
وأضافت: “نحن نرفض هذا التوجه، وندعو إلى أن تكون المرأة شريكة حقيقية في صياغة مستقبل البلاد، لا مجرد عنوان شكلي للزينة السياسية”.
وفي ظل التحديات المتزايدة، نوهت نيروز، أن الحل لا يكون بالانتظار أو التوسل للأنظمة، بل يبدأ من النساء أنفسهن: “علينا تنظيم أنفسنا. علينا توحيد صفوفنا كنساء سوريات، من مختلف الشعوب، إنّ التسلح بنهج الحماية الذاتية لم يعد خياراً، بل ضرورة وجودية، سواءً في مواجهة العنف أو في انتزاع حقوقنا السياسية والاجتماعية”.
ودعت إلى العمل من أجل بناء سوريا لا مركزية، تقوم على احترام التعدد والاختلاف، وتضمن حقوق المرأة في مختلف الجوانب.
ضرورة الموقف الدولي لصالح المرأة
لم يكن الصمت الدولي تجاه معاناة النساء في سوريا مفاجئاً، لكنه، كما اعتبرته “نيروز” كان مخزياً: “المنظمات الدولية تتحدث كثيراً، لكنها تتحرك قليلاً. لم نشهد موقفاً حازماً يدين الاستهداف الجماعي للنساء، لا في الساحل السوري، ولا في السويداء، ولا في غيرها. وهذا الصمت شجع المعتدين على التمادي”.
في الساحل السوري، وثّقت تقارير حقوقية، حالات عديدة من القتل والاغتصاب والاختطاف، طالت نساءً من الطائفة العلوية لكونهن ناشطات أو ينتمين لعائلات كان أزواجهن أو آبائهن يعملون مع نظام البعث أو كما سمي “فلول النظام السابق”، وسط تكتيم إعلامي ومحلي شديد. تعرضت النساء هناك لضغوطات أمنية وأُجبر العديد منهن على ترك العمل المدني أو الإعلامي تحت التهديد، وبعضهن اختفين قسرياً دون أي متابعة قضائية.
أما في السويداء، فرغم الطابع المدني للمجتمع، فإن المرأة لم تكن بمنأى عن التهديد، حيث رصدت حالات اختطاف وابتزاز واغتيال، طالت ناشطات وعاملات في الشأن العام، وسط انهيار شبه تام لسلطة القانون، ما جعل النساء في حالة دائمة من القلق وانعدام الأمان.
ورغم كل التحديات، تؤكد نيروز أن المرأة السورية لم تعد تقبل دور الضحية: “نحن الآن صانعات للتاريخ، المرأة التي حرقت أحلامها قبل سنوات، تعود اليوم لتبني مؤسسات، وتقود مجتمعات، وتواجه الاحتلال والعنف والفكر الرجعي”.
واختتمت رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا “نيروز مسلم”، حديثها بضرورة تغييرات حقيقة في سوريا الجديدة تضمن حقوق السوريين والمرأة السورية على وجه الخصوص: “نحن لا نطالب فقط بحقوقنا، بل نطالب بسوريا جديدة، سوريا تبنى على العدالة، والمساواة، والمشاركة، والكرامة. وذلك غير ممكن دون دور المرأة الفاعل فيها وصون حقوقها”.