شهيدات مجزرة حلنج.. مسيرة نضال في درب حرية المرأة

كوباني/ سلافا أحمد ـ في الذكرى الخامسة لمجزرة حلنج، التي أثبتت همجية الاحتلال التركي وتواطؤ المجتمع الدولي؛ تركت المناضلات الثلاث “هبون وزهرة، وأمينة”، ميراثاً تاريخياً للنساء المناضلات للسير عليه، حتى تحقيق الحرية والديمقراطية، وجعلن نضالهن وروحهن الفدائية عنواناً للنصر والسلام لنساء المنطقة.

منذ بدء الحراك السوري عام 2011، وتركيا تتدخل في الصراع السوري، سواء بالتدخل المباشر أو عن طريق مرتزقتها، لتحقيق مساعيها الهادفة لتصفية الوجود الكردي في المنطقة، وإعادة إحياء إمبراطوريتها العثمانية الفاشية، حيث أنه مع تدخل تركيا بالصراع السوري تعرضت المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بشكل يومي لأشكال العنف والانتهاكات بحقها أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

كما تتعرض النساء في المناطق المحتلة السورية من مرتزقة الاحتلال التركي في عفرين، وسري كانيه، وكري سبي، وإعزاز، وجرابلس، والباب، لجرائم القتل والسبي والخطف والاعتداء والاعتقال بشكل يومي، إضافةً إلى العمليات العدوانية في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، حيث يحاولون من خلالها استهداف إرادة المرأة الحرة.

استهداف ممنهج لإرادة المرأة

تمكنت المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بثورة 19 تموز عام 2012، لعب دورها الريادي والطليعي في تنظيم وتحرير المرأة من قيود العبودية، وتفعيل دورها في المجتمع، حتى أصبحت مثالاً يُحتذي به.

إلا أن دولة الاحتلال التركي سعت من خلال استهداف شخصية المرأة الحرة إلى استهداف شعوب المنطقة الساعية لإنهاء الدكتاتورية والطغيان في المنطقة، حيث يرى الاحتلال التركي مشروعهم الحر الديمقراطي تهديداً لنظامه الاستبدادي الفاشي.

فيما تخشى دولة الاحتلال التركي من تكاتف المرأة المتمثل بإرادتها الحرة والديمقراطية، بعد تحقيقها العديد من الإنجازات في المحافل السياسية والعسكرية، وإصرارها على مواصلة طريق النضال حتى تحرير النساء في العالم من الذل والعبودية. لكن؛ رغم الممارسات والانتهاكات التي تمارس بحق شعوب المنطقة، وخاصةً بحق النساء، إلا أنّ المجتمع الدولي يغض النظر عما يحدث من انتهاكات وممارسات بحق المعايير والمواثيق الدولية في شمال وشرق سوريا، مكتفياً بالتنديد دون أن يحرك ساكناً لوضع حد للانتهاكات التركية، وبصمت المجتمع الدولي هذا يكون داعماً لمخططات الدولة التركية التخريبية في المنطقة.

مع بدء هجمات الاحتلال التركي على مقاطعة عفرين في 20 كانون الثاني 2018، استهدف الاحتلال التركي ومرتزقته المرأة بشكل خاص، حيث قام وبشكل علني بالتمثيل بجثة المقاتلة بارين كوباني، وتكرر ذلك المشهد أيضاً أثناء شن الاحتلال التركي هجماته الاحتلالية على مدينة كري سبي وسري كانيه في التاسع من تشرين الأول من عام 2019، وخلال تلك الأحداث استهدفت مرتزقة الاحتلال التركي الأمين العام لحزب سوريا المستقبل “هفرين خلف” ومثلوا بجثتها بوحشية.

فيما استهدف جيش الاحتلال التركي بتاريخ 23 حزيران عام 2020، منزلاً لأحد المدنيين في قرية حلنج، استشهد على أثره “زهرة بركل، وهبون كوباني، وأمينة ويسي”، وذلك بطائرة مسيرة في كوباني.

وشكلت مجزرة حلنج التابعة لمدينة كوباني بمقاطعة الفرات، نقطة تحول في استراتيجية دولة الاحتلال التركي المتبعة لاستهداف إرادة الشعوب في المنطقة، التي أودت بحياة آلاف الأبرياء خلال السنوات الماضية في إقليم شمال وشرق سوريا.

 شهيدات مجزرة حلنج

“هبون ملا خليل”، الاسم الحقيقي بديعة، (39 عاماً)، ولدت في قرية بندر الواقعة غربي مدينة كوباني لعائلة مؤلفة من تسعة إخوة، واثنتي عشرة أختاً، حيث ترعرعت هبون في عائلة وطنية مناضلة على خطا فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان.

درست هبون المرحلة الإعدادية بمدرسة قرية بندر ولم تتمكن من إكمال دراستها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب لعائلتها، وعملت في الزراعة لتتمكن من مساعدة عائلتها في إعالة أخواتها، وتأثرت بفكر وفلسفة القائد أوجلان، وانخرطت فيما بعد في ساحات نضال المرأة، وكانت الريادية في تنظيم المرأة بالمنطقة.

ومع شن مرتزقة داعش هجومها الشرس على مدينة كوباني في 15 أيلول عام 2014، التحقت هبون بصفوف وحدات حماية المرأة YPJ ، وحاربت مع رفاقها أعتى المرتزقة في العالم، مسطرات ملاحم ومقاومات بطولية سجلها التاريخ، وتمكنت الوحدات بتلك الروح المقاومة من كسر شوكة مرتزقة داعش التي عجز العالم عن دحرها، وبذاك كانت الوحدات النواة الحقيقية لتأسيس قوات سوريا الديمقراطية.

أما “زهرة بركل” امرأة ليست كغيرها من النساء، بل شعلة من المقاومة، حيث عملت ناشطة في المجال السياسي عام 2013 طامحةً لتحقيق الحرية والعدالة لكل امرأة عانت الذّل والعبودية، فكانت المرأة المناضلة والحرة.

ولدت زهرة بركل في مدينة كوباني عام 1987 في عائلة وطنية تؤمن بالقضية الكردية، منحدرة أصولها من قرية برخ بوتان جنوب مدينة كوباني من أسرة مؤلفة من أربعة أخوة، وخمس أخوات، حيث درست في كلية الحقوق بمدينة حلب للسنة الثانية، ولم تتمكن زهرة من إكمال مسيرتها الدراسية نتيجة الحراك السوري الذي بدأ عام 2011، لتنخرط بعدها ضمن ثورة 19 تموز، وتضيف بصمتها لثورة روج آفا وكفاح المرأة.

عملت زهرة عام 2013 في دار المرأة فترة وجيزة، وبعدها تطوعت في الهلال الأحمر الكردي، وبعد ذلك انتقلت إلى ديوان مجلس الشعب في مدينة كوباني، وبعد مرور فترة من الزمن من استلام زهرة ديوان مجلس الشعب، عملت رئيسة مشتركة لبلديات الشعب في مدينة كوباني.

ونظراً لإخلاصها في عملها استلمت زهرة بركل رئاسة هيئة العدالة في مدنية كوباني، وأعطت صورة للمرأة العادلة والحرة. ولأنها كانت مثالاً للمرأة الحرة ولنضالها تم تكريمها بمنحها عضوية منسقية المرأة في إقليم الفرات عام 2018، لتلعب دوراً ريادياً في تنظيم وتطوير دور المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا.

وبعد أعوام من الكفاح ارتقت زهرة بركل، الناشطة المدنية، إلى مرتبة الشهادة باستهداف طائرة مسيرة لدولة الاحتلال التركي منزلاً مدنياً في قرية حلنج جنوبي شرقي مدينة كوباني.

أما المناضلة “أمينة محمد ويسي” من مواليد 1965 من قرية حلنج شرقي مدينة كوباني، أم لخمسة أبناء، بنتان وثلاثة أولاد، تميزت بشخصيتها الوطنية والمحبة لقضيتها، عملت جاهدةً في سبيل القضية الكردية، لقد ربت أولادها على نهج وفكر القائد عبد الله أوجلان، زارعةً في نفوس أطفالها روح النضال والمقاومة في سبيل القضية الكردية.

وصمة عار على جبين الإنسانية

ومع الذكرى الخامسة لمجزرة حلنج، التقت صحيفتنا “روناهي” عضوة منسقية مؤتمر ستار في مقاطعة الفرات “لجين السالم“، حيث استنكرت في مستهل حديثها هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته التي تستهدف إرادة المرأة والشعوب الحرة، ووصفت المجزرة بوصمة عار على جبين الإنسانية: “كان يوم 23 حزيران يوماً مظلماً على مدينة كوباني، حيث طالت يد الغدر والخيانة منزل أمينة، التي دعمت المرأة ورغم أنها لم تكن متعلمة لكنها سعت أن تكون امرأة تساهم وتساعد وتنظم النساء حسب معرفتها واستطاعتها، عندما كانت تستضيف مناضلات في منزلها”.

ولفتت: “كان للمناضلات زهرة بركل، وهبون ملا خليل دور بارز في قضية المرأة في المجتمع، حيث كُنَّ يسعين لتنظيم المرأة وتحررها من قيود المجتمع الذكوري، فبروحهنَّ الفدائية تركن بصمة تاريخية في المنطقة، وجلعن نضالهم عنواناً للنصر والسلام لنساء المنطقة”.

وأضافت: “الشهيدتان زهرة، وهبون، جعلتا مؤتمر ستار في المنطقة مقصداً لنساء المقاطعة؛ لأن هدفهن السعي لاسترداد حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع ودورها الطليعي في قيادته”.

التعهد باستكمال مسيرة النضال

وأشارت لجين إلى أن دولة الاحتلال التركي تسعى من خلال استهدافها النساء بإقليم شمال وشرق سوريا إلى قتل إرادة المرأة الحرة مؤكدةً: “إن أولى استهدافات الفاشية التركية على مناطق شمال وشرق سوريا بطائراتها المسيرة، كان استهداف المناضلات الثلاثة في قرية حلنج، وهذا الاستهداف رسالة واضحة من المحتل التركي بأنهم لن يسمحوا للمرأة المناضلة مواصلة كفاحها ونضالها”.

وشددت: “لكن المحتل التركي لن يستطيع النيل من إرادة ونضال المرأة، وإنّ كل الجرائم التي يقومون بها، لن تكسر عزيمتنا ونضالنا، على العكس تماماً فجرائمهم تزيدنا إصراراً لمواصلة كفاحنا في وجه الظلم والاستبداد”.

وتابعت: “أفعال دول الاحتلال التركي المشينة باستهداف النساء المناضلات زادتنا قوة وإيماناً بقضية المرأة، وجعلتنا نصعد نضالنا لقيام مجتمع نسوي يفتخر فيه الجميع، يأتي هذا لأننا نسير على طريق الشهيدات اللواتي جعلنَّ تضحياتهن ونضالهن جسراً للسلام”.

ونوهت: “مجزرة حلنج ليست مجرد حادثة عابرة في سجل الجرائم التركية بحق الشعب الكردي، لكن هذا الهجوم يشكل نقطة تحول في استراتيجية دولة الاحتلال التركي المتبعة لاستهداف إرادة شعوب المنطقة، وقد راح جراء هذا الهجوم والاستهدافات المتكررة مواطنون أبرياء خلال السنوات الماضية في إقليم شمال وشرق سوريا، والتي كانت تلك الجرائم وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، وفي ذكرى المجزرة الأليمة نعاهد الشهداء بعدم تخلينا عن قضيتنا، وأن نواصل نضالهم وفق مبادئ فكر الحداثة الديمقراطية، التي اكتسبناها من فكر وفلسفة القائد الأممي عبد الله أوجلان”.

وزادت: “الشهداء هم من ضحوا في سبيل وصولنا لهذه المرحلة التاريخية التي نحن عليها اليوم، لذا حماية هذه المكتسبات يقع على عاتقنا، ويجب علينا المحافظة عليها مهما كانت البدائل، فكما قال القائد عبد الله أوجلان، عندما تكون المرأة منظمة تبني أسرة والأسرة تبني مجتمعا، والمجتمع يبني أمة ديمقراطية، فإيماناً بذلك، اليوم أصبحنا مثالاً لنساء العالم بقوتنا وتماسكنا وتكاتفنا بحل المشاكل التي تقلل من شأن المرأة”.

وجددت عضوة منسقية مؤتمر ستار في مقاطعة الفرات “لجين السالم” في نهاية حديثها، عهدها في مواصلة نهج الشهداء: “في ذكرى مجزرة حلنج نجدد عهدنا مرة أخرى في المضي على درب المناضلات حتى تحقيق أهداف ثورتنا، ثورة المرأة، والشعوب الحرة”.