روناهي/ الرقة – في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها العديد من النساء في مختلف أنحاء العالم، يبرز نموذج المرأة التي تصنع مستقبلها من قلب منزلها دليلاً على الإرادة والابتكار. لم يعد تحقيق الأحلام مرتبطا بالمؤسسات الكبرى أو الشركات الضخمة، بل أصبح بالإمكان تحويل شغف بسيط إلى مشروع ناجح يحقق الاستقلال المالي ويترك بصمة خاصة في المجتمع.
من هنا، جاءت قصة “أم ورد” ذات الثلاثين عاماً، التي نجحت في تحويل هوايتها في صناعة الحلويات إلى مشروع ناجح رغم التحديات، التي واجهتها، سواء نظرة المجتمع، أو المحاولات المستمرة لتثبيطها وصرفها عن الاستمرار. ولكن؛ بإصرارها ودعم المقربين، استطاعت أن تشق طريقها بثبات، وتصبح مثالاً للمرأة التي تصنع فرصها بنفسها بدلاً من انتظارها.
هذا التقرير يأخذكم في رحلة داخل تجربة “أم ورد”، وهو يسلط الضوء على البداية، والتحديات التي مرت بها، والإنجازات التي حققتها رغم العوائق، كما يكشف كيف يمكن للشغف أن يتحول إلى مصدر رزق حقيقي عندما يقترن بالعزيمة والعمل الجاد.
من هواية إلى مشروع
لم تكن بداية “أم ورد” مجرد فكرة عابرة، بل كانت جزءاً من شغف دفين، نما معها منذ سنوات، لكنها لم تفكر يوماً بأن يتحول إلى مشروع تجاري، وفي تصريح خاص لصحيفتنا “روناهي“، قالت أم ورد:” بدأت القصة تقريباً من سنة، لكن أنا كنت دائماً أحب هذا المجال، كان مجرد هواية، هواية المعمول، هواية الحلويات، كل أنواعها، كنت أصنعها لنفسي ولعائلتي فقط”.
ولكن نقطة التحول الحقيقية جاءت عندما تعرفت أم ورد على فتاة كانت تعيش في السعودية، وأتقنت منها أسرار صناعة “الكوكيز” بنكهاته المختلفة وأساليبه الفريدة. كانت هذه التجربة بمثابة نافذة جديدة على عالم الحلويات، حيث أيقنت أن هذا الابتكار يمكن أن ينتقل إلى مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، ليكون إضافة مميزة في عالم الحلويات المنزلية هناك، تضيف: “أردت أن أنقل هذا الابتكار إلى منطقتي، شعرت أنني أستطيع أن أقدم شيئاً مختلفا وجديداً”.
لكن الفراغ الذي فرضته الظروف عليها جعلها تفكر بشكل مختلف، فقد وجدت نفسها تبحث عن شيء يمنحها الاستقلالية المالية ويملأ وقتها بما تحب وأوضحت: “أيقنت أن هذا المجال هو طريقي للحفاظ على بيتي وفي الوقت نفسه أنطلق منه للعمل”. وهكذا، بدأت تجرب الوصفات الجديدة التي تعلمتها، وتتقن تفاصيل العمل حتى تمكنت من تقديم منتجات بجودة عالية تنافس الموجود في الأسواق.
لم يكن المجتمع مرحباً بشكل كامل، إذ واجهت أم ورد تعليقات ساخرة وأحكاماً مسبقة حول أهمية عملها، ولفتت: “ما زلت أتذكر كيف كانت ردة فعل البعض عندما أخبرتهم أنني سأبدأ عملي في الحلويات، كانوا يسألون باستغراب: بسكويت؟ هل هذا يستحق العناء؟ لكنني كنت أؤمن بما أفعله، كنت أراه أكثر من مجرد بسكويت، كنت أراه طريقتي الخاصة للتعبير عن ذاتي”.
ولكنها لم تتراجع، بل استمرت في تطوير مهاراتها، وساعدتها الخبرة التي اكتسبتها في السعودية على تقديم حلويات ذات طابع مميز جعلتها تلفت انتباه المزيد من الزبائن. وهكذا، بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً عندما جاءتها أول طلبية من إحدى النساء، التي احتاجت حلوى مميزة لمناسبة خاصة، وكانت هذه اللحظة نقطة التحول التي جعلتها تدرك أن بإمكانها تقديم شيء مختلف فعلياً.
تحديات المشاريع المنزلية
وتعدُّ المشاريع المنزلية أحد الأشكال الناشئة لريادة الأعمال، التي توفر فرصاً كبيرة، لكنها تأتي أيضاً مع مجموعة من التحديات الخاصة بها. من أبرز هذه الصعوبات هو نقص الاعتراف المجتمعي بمثل هذه الأعمال، حيث يتم التقليل من قيمتها مقارنة بالمشاريع التقليدية الكبرى. ومع ذلك، فإن قصص النجاح مثل قصة “أم ورد” تثبت أن أي مشروع يمكنه النمو والازدهار طالما كان مبنياً على أساس قوي من الجودة والحب للعمل.
وكذلك، هناك تحديات أخرى تتعلق بالتمويل، إذ يعاني أصحاب المشاريع المنزلية من نقص الدعم المالي الرسمي؛ ما يجعلهم يعتمدون في الغالب على مواردهم الشخصية أو دعم العائلة. ومع ذلك، فإن النجاح في هذه المجالات يأتي بشكل تدريجي مع تقديم منتجات ذات جودة عالية تلبي احتياجات الزبائن.
إضافة إلى ذلك، فإن التسويق يمثل تحدياً حقيقياً، إذ يجب على أصحاب المشاريع المنزلية البحث عن طرق ذكية للوصول إلى العملاء دون القدرة على المنافسة مع الشركات الكبرى في الإعلانات التقليدية. ومع ذلك، فإن وسائل التواصل الافتراضي أصبحت اليوم وسيلة قوية لإيصال المنتجات إلى أكبر عدد ممكن من المستهلكين، وتوفر فرصة رائعة لنشر قصص النجاح والمشاريع الناشئة.
في النهاية، فإن قصة “أم ورد” ليست فقط مجرد نجاح فردي، بل هي شهادة على أن الإرادة والإبداع يمكنهما كسر الحواجز التي وضعها المجتمع أمام المشاريع الصغيرة، وأن الطريق إلى النجاح يبدأ من حيث يكون الحب والتصميم حقيقياً.
