روناهي/ تل حميس ـ تتوالى المؤشرات على عمق الأزمة الإنسانية والبيئية التي تهدد الريف الجنوبي لمدينة تل حميس؛ وذلك بسبب موجة الجفاف الشديدة وشح المياه، الأهالي لم يعد لديهم القدرة على الصمود أمام قسوة الجفاف، مما زاد من معاناتهم ودفعهم إلى مغادرة قراهم بحثاً عن فرص أفضل في مناطق أخرى.
شهدت القرى التابعة لمدينة تل حميس، وخصوصاً القرى الجنوبية، موجة هجرة واسعة النطاق، حيث أصبحت البيوت شبه خالية، ولم يتبقَ في كثير من القرى سوى عدد قليل من السكان الذين يحرصون على حماية المنازل المهجورة، هذه الظاهرة المثيرة للقلق تعود بشكلٍ رئيسي إلى الجفاف الشديد الذي اجتاح المنطقة، مما تسبب في انهيار الأنشطة الزراعية والرعوية التي كانت تشكل العمود الفقري لاقتصاد هذه القرى.
أسباب الهجرة الكثيفة للريف الجنوبي
فجميع القرى الجنوبية التابعة لمدينة تل حميس “كبلقيس والزباء والقيروان والتفاحية والطراحية والفرحانية والمليحية والحمصية” تعتمد بشكلٍ كبير على الزراعة وتربية المواشي كمصادر رئيسية للعيش، فالجفاف الشديد الذي حلّ بالمنطقة أدى إلى تدهور كبير في الإنتاج.
وبهذا الصدد التقت صحيفتنا “غزالة الأحمد” وهي من قرية “أبو حجر” إحدى قرى الريف الجنوبي لمدينة تل حميس والتي حدثتنا عن الجفاف وما سبّبه من هجرة كبيرة وكثيفة للسكان “فالمزارعون الذين كانوا يعولون على موسم الأمطار لتأمين مياه الري، تفاجؤوا بشح الأمطار إلى درجة غير مسبوقة نتيجة لذلك، اضطر العديد منهم إلى بيع محاصيلهم كعلف للماشية قبل أن تنضج، وذلك لتجنب خسائر أكبر”.
وتابعت: “فالمشاريع الزراعية القائمة على الطاقة الشمسية، التي كان يُنظر إليها كأمل جديد للتنمية المستدامة، لم تحقق النتائج المرجوة، هذه المشاريع التي كلفت مبالغ كبيرة، لم تستطِع الصمود أمام قسوة الجفاف الطويل، مما زاد من إحباط السكان ودفعهم إلى مغادرة قراهم بحثاً عن فرص أفضل في المناطق الحضرية”.
وأضافت: “الهجرة نحو المدن أصبحت ظاهرة واضحة ومقلقة، القرى التي كانت تعج بالحياة والأسر أصبحت اليوم شبه مهجورة، حيث انتقل السكان إلى المدن المجاورة أو المناطق الداخلية بحثاً عن فرص عمل أو حياة أفضل”.
ولفتت إلى إن الهجرة الجماعية لم تترك أثراً اقتصادياً فقط، بل تركت أيضاً أثراً اجتماعياً، حيث تفرقت العائلات والمجتمعات التي كانت تعيش في تماسك وترابط.
مناشدة الجهات المعنية للتدخّل
وأردفت إلى: “في ظل هذه الظروف الصعبة، لا بد من تدخّل عاجل من الجهات المسؤولة لدعم القرى التابعة لمدينة تل حميس وسكانها ويجب أن تكون هناك خطط استراتيجية شاملة لتقديم الدعم المالي والمادي للمزارعين ومربي المواشي، بما يمكنهم من مواجهة التحديات الناجمة عن الجفاف”.
ومن أبرز الحلول التي يمكن تقديمها، هي تطوير شبكات ري حديثة تعتمد على تقنيات توفير المياه، وإنشاء مشاريع تنموية مستدامة تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، وتقديم دعم مالي مباشر للأسر المتضررة لمساعدتها على تجاوز الظروف الراهنة وتعزيز البنية التحتية الزراعية، مثل حفر الآبار واستخدام تقنيات الزراعة المائية، بحسب أهالي القرى في الريف الجنوبي لمدينة تل حميس.
ففي النهاية بينت “غزالة الأحمد” إن ما تشهده القرى التابعة لمدينة تل حميس من هجرة جماعية نتيجة الجفاف يمثل تحدياً كبيراً للمنطقة ككل، فإن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى تفريغ القرى من سكانها وتعريضها للاندثار لذلك، يجب أن تكون هناك خطط طويلة الأمد لدعم هذه القرى، من خلال تعزيز الزراعة، توفير مصادر مياه مستدامة، ودعم السكان مادياً ومعنوياً.
فالهجرة ليست حلاً دائماً، بل هي نتيجة أزمة تستدعي من الجميع التحرك لحلها، وإن الحفاظ على هذه القرى وسكانها واجب وطني لضمان استقرار المنطقة وتنميتها.