هيفيدار خالد
مع انطلاق الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، يمكن القول إن موجة التغيير التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأخيرة ما تزال مستمرة، ومرشّحة للامتداد إلى دولٍ مجاورة أخرى، مهددة بتمزيق المزيد من الجغرافيا في الشرق الأوسط، فقد استهدفت الضربات الإسرائيلية قلب العاصمة طهران، واضعةً بذلك كبار المسؤولين والقادة الإيرانيين في مرمى الصواريخ والطائرات المسيّرة.
تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، من خلال هذا التصعيد إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالحها ورؤيتها، دون اكتراث بحياة الشعوب أو مصالحها، بل مندفعة خلف مشاريعها ومخططاتها بقوة. ولا تقتصر أهداف هذه الهجمات على البرنامج النووي الإيراني، بل تتجاوزه إلى محاولة إعادة رسم خريطة المنطقة وتهيئة بيئة جديدة تخدم استراتيجياتها.
ويرجّح خبراء ومراقبون أن التصعيد بين الجانبين سيستمر خلال الأسابيع المقبلة، والنقطة الجوهرية التي يجب التوقف عندها هي أن هذا الصراع، بملامحه الحالية، يضع الشرق الأوسط على شفا حرب شاملة ستطال تبعاتها جميع الشعوب، في ظل غياب قيادة حاسمة قادرة على احتواء الأزمات، وتفاقم هيمنة القوى الكبرى على القرار السياسي في المنطقة. ومن المنتظر أن يفرض هذا الصراع معادلات سياسية وعسكرية جديدة، ومن المؤكد أن الأزمة لم تعد محصورة في النظام الإيراني وحده، بل إن معظم أنظمة المنطقة باتت غير قابلة للاستمرار، وأصبحت عبئاً ثقيلاً على شعوبها.
وإذا استمرت هذه الحرب، فإن طهران ستتضرر على مستويات متعددة، سواء سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً. فهي في الأصل تعاني من أزمات داخلية عميقة، تتراوح بين سياسات قمع المعارضين والناشطين، وتصاعد وتيرة الإعدامات، إلى جانب فرض قوانين وتشريعات تمييزية بحق النساء، أضف إلى ذلك اقتصاداً منهكاً يسير على “عكاز العوز”، وشعوباً متعددة تعيش حالة من الإفقار الممنهج والاضطهاد المستمر منذ عقود.
وفي ضوء الهجوم الإسرائيلي الأخير، يمكن القول إن العالم دخل مرحلة جديدة من التوترات قد تمثل ملامح “حرب عالمية ثالثة” بنسختها الحديثة، حيث تتضح معالم الاستراتيجية الأمريكية بشكل أكثر جلاءً وهي إنهاءُ الحقبة التي دعمت فيها واشنطن أنظمة ديكتاتورية في الشرق الأوسط، ورعت استقرارها عبر حكام أوغلو في الطاعة والخضوع. لقد فعلت ذلك مع صدام حسين، وبشار الأسد، وفي أفغانستان، واليوم مع إيران، وربما لاحقاً مع رئيس النظام التركي رجب أردوغان.
ومن المفيد التأكيد على أن إنهاء هذا الصراع لا يمكن أن يتم فقط عبر الضغط على طهران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل يتطلب معالجة جذرية تنبع من الداخل الإيراني ذاته. فإيران تحتضن شعوب قومية متعددة، من الكرد والعرب إلى الأذريين والبلوش، وعلى هذه الشعوب أن تتكاتف لبناء أطرها الذاتية وتنظيماتها المجتمعية، لمواجهة آثار الحروب والصراعات التي تخلقها الأنظمة المستبدة.
إن السير على نهج “الأمة الديمقراطية” قد يشكل حلاً واقعياً ومناسباً، بوصفه نموذجاً بديلاً يتجاوز الحدود القومية والدينية، ويعتمد على العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي كركائز لمجتمع مزدهر، فالمشكلة لم تعد فقط في الأنظمة السياسية القائمة، بل في البنية التي تستند إليها هذه الأنظمة، والتي ما عادت صالحة للاستمرار أو التعايش مع تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة.