في مشهد سياسي تتقاطع فيه التحديات الإقليمية بالتعقيدات الداخلية، عادت الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، لتؤكد مرة أخرى موقفها الوطني الثابت تجاه وحدة الأراضي السورية، وذلك بتصريحات، رئيسة وفد الإدارة الذاتية في اجتماعات دمشق، والتي شددت فيها على أن “الكرد متمسكون بسوريا ووحدتها، ويبحثون عن حل سياسي شامل في إطار السيادة السورية”.
هذا الموقف ليس بجديد على الإدارة الذاتية، بل يمثل امتداداً لرؤية استراتيجية عبّرت عنها في مختلف المحطات، منذ تأسيسها عام 2014، في خضم الحرب السورية، التي كادت تعصف بأسس الدولة والمجتمع، ومع ذلك، اختارت الإدارة الذاتية أن تتعامل بمسؤولية وطنية، واضعةً وحدة سوريا خطاً أحمر، رغم ما تعرضت له من تجاهل سياسي، وتهديدات أمنية، وقصف متكرر من أطراف إقليمية.
وتتعدد الأمثلة، وكانت البداية بالحرب ضد مرتزقة داعش الإرهابية، حيث كانت قوات سوريا الديمقراطية، وهي العمود الفقري العسكري للإدارة الذاتية، رأس الحربة في الدفاع عن الأرض السورية ضد الإرهاب.
وفي الوقت الذي كانت فيه مناطق شاسعة من البلاد تخرج عن السيطرة، ناضلت “قسد” في الرقة، ودير الزور، والحسكة، وقدّمت آلاف الشهداء، دفاعاً عن تراب سوريا، وليس فقط عن الكرد أو مناطق الإدارة الذاتية.
الإدارة الذاتية مشروع وطني
حول ذلك، تحدث لوكالة فرات للأنباء، المحلل السياسي العراقي، حازم العبيدي: إن “قوات سوريا الديمقراطية خاضت معركة شرسة في مواجهة داعش، وحققت انتصاراً مهماً بالتعاون مع التحالف الدولي، ورغم ذلك لم تستغل هذه المعركة لأبعاد سياسية، أو تحاول فرض واقع ما فيما يتعلق بوحدة سوريا، رغم أن الظروف كانت مهيأة لكثير من الأطراف أن تفعل ما يحلو لها في ظل الوضع المعلوم للجميع في سوريا”.
وأضاف: “الإدارة الذاتية، تستكمل الدور الوطني، فيما يتعلق بمواجهة الفكر المتطرف، ويكفي أنها تتحمل عبء مخيم الهول، الذي يضم عشرات الآلاف من عائلات الدواعش، وعناصر مرتزقة داعش في سجونها”.
وأوضح: “وجه آخر لمواقف الإدارة الذاتية القائمة على القناعة بمنهجية الشراكة الوطنية، تبنيها مشروع “الأمة الديمقراطية”، الذي يعزز التعددية واللا مركزية السياسية، دون أن يمس بوحدة الأراضي السورية، وأكدت وثائقها السياسية، منذ الإعلان عن العقد الاجتماعي، أن هدفها ليس الانفصال أو إنشاء كيان كردي، بل بناء نموذج ديمقراطي يمكن تعميمه على كامل البلاد”.
ولفت: “لم تتوقف مبادرات الإدارة الذاتية، للحوار مع دمشق، بل أبدت في أكثر من مناسبة استعدادها للتفاوض الجاد ضمن إطار السيادة السورية، كما دعت إلى صياغة دستور جديد يضمن حقوق الشعوب والمكونات السورية، وإخراج البلاد من عقلية الإقصاء المركزية التي ساهمت في تأجيج الأزمات”.
واختتم، حازم العبيدي: “أكدت الإدارة الذاتية مراراً، أنها جزء من النسيج الوطني السوري، وأنها لا تمثل فقط الكرد، بل كل شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا، ما جعل من نموذجها تجربة فريدة في ترسيخ التعددية داخل سوريا”.
اللامركزية تؤكد وحدة سوريا
وفي السياق، تحدث مستشار الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار: إن “الإدارة الذاتية ليست كياناً كردياً، بل كيان وطني سوري، يضم الشعوب والمكونات بشمال وشرق سوريا، وخلال فترة النظام السابق، كانت الإدارة الذاتية تطالبه بفتح المجال أمام الحوار من أجل وحدة سوريا، ضمن دستور عادل في إطار وحدة الدولة أرضاً وشعباً”.
وأضاف: “تستمر الإدارة الذاتية، بمطالبة سلطات دمشق الحالية بنظام لا مركزي، منوهاً إلى أنه من المعروف أن اللامركزية أسلوب إداري، لا علاقة له بالطائفية أو الإثنية، وإنما يتماشى مع سوريا كدولة واحدة ذات كيانات متعددة وتنوع ثقافي ولغوي”.
وشدد: على أنه “في أحلك ظروف سوريا لم يخرج أحد من مسؤولي الإدارة الذاتية، ويطلب بالانفصال”، مؤكداً أن الأمر ليس فقط بمجرد تصريحات يتم إصدارها، وإنما كل الأدبيات الخاصة بالإدارة الذاتية، وكذلك المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها لا تطالب بأي شكل من أشكال التقسيم أو الانفصال، فضلاً عن ذلك فقد لعبت دوراً مهماً في مواجهة أطماع بعض الأطراف الإقليمية مثل تركيا.
واستطرد: “في مواجهة محاولات تقسيم سوريا، كانت الإدارة الذاتية من الأطراف التي رفعت شعار “لا للاحتلال التركي”، ودافعت عملياً عن وحدة البلاد، فقد شكلت مقاومتها لاحتلال عفرين، وسري كانيه، وكري سبي، دليلاً دامغاً على رفضها لتفتيت سوريا أو تحويلها إلى مناطق نفوذ تخدم مصالح إقليمية ضيقة”.
وأنهى، رياض درار: إن “الكرد، ومن خلال تجربتهم في الإدارة الذاتية، لم يثبتوا فقط تمسكهم بوحدة سوريا، بل قدموا نموذجاً يمكن أن يلهم مشروع إعادة بناء سوريا من جديد، وقد أتت تصريحات رئيسة وفد الإدارة الذاتية، في اجتماعات دمشق، فوزة يوسف، كتأكيد لما تبنته الإدارة الذاتية منذ تأسيسها: “سوريا للسوريين، ودولة واحدة ذات سيادة، تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الثقة بين المركز والأطراف، ويكرّس العدالة والمشاركة السياسية”.