قامشلو/ دعاء يوسف – في زمن تزداد فيه الأزمات وتنهار القيم الإنسانية، تمثل الجنولوجيا مشروعاً طموحاً لإعادة بناء المجتمعات على أسس تشاركية؛ لأن المرأة ليست تابعاً، بل قائدة وشريكة في صناعة الحاضر والمستقبل، وقد بينت عضوة أكاديمية الجنولوجيا في إقليم شمال وشرق سوريا “زهريبان حسين”، أنّ علم الجنولوجيا يسعى إلى تحرير المجتمع بتحرير المرأة، مؤكدة على مواصلة العمل من أجل تحقيق مشروع السلام الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان.
في خضم الصراعات السياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم، يبرز مشروع تحرر المرأة الذي أسسه القائد عبد الله أوجلان كمنارة فكرية وإنسانية، تناضل من خلالها النساء، ليس فقط في كردستان، بل في مختلف أنحاء العالم، من أجل نيل الحرية والكرامة. ويُعد علم “الجنولوجيا” – الذي أُسس كعلم خاص بالمرأة والحياة والمجتمع الديمقراطي – حجر الزاوية في هذا المشروع الجذري الذي يطمح إلى بناء مجتمع أخلاقي حر ومتحرر من قيود الذهنية الذكورية المتجذرة منذ آلاف السنين.
هذا وتحدثت عضوة أكاديمية الجنولوجيا في إقليم شمال وشرق سوريا “زهريبان حسين“، عن هذه التجربة الاستثنائية التي تشكل جزءاً من مسيرة طويلة لتحرير المرأة، وتقول زهريبان: إن قراءتها رسالة القائد أوجلان الأخيرة جعلتها بمشاعر متناقضة من الفرح والحزن، مؤكدةً أن الرسالة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت وصايا ودعوة للعمل والالتزام بمواصلة الطريق نحو التحرر الحقيقي.
نتاج نضال المرأة عبر التاريخ
جاء في رسالة القائد عبد الله أوجلان، إن “مشروع تحرر المرأة الذي بدأناه قد اكتمل في الجنولوجي”، عبارة واحدة لكنها تختزل عقوداً من النضال والمعاناة، وتشير إلى تحول علمي ومعرفي يُسند إلى النساء مسؤولية النهوض بالمجتمعات من خلال تمكين المرأة كفاعل محوري في التغيير، وهذا ما تؤكده زهريبان: “النساء اللواتي يعملن في أكاديمية الجنولوجي يحملن على عاتقهن مسؤولية تحرر النساء في العالم أجمع؛ لأن الجنولوجيا هو علم المرأة، علم الحياة، وعلم الأمة الديمقراطية التي تمثل بديلاً للنظام السلطوي المهيمن”.
هذا ولطالما شدد القائد عبد الله أوجلان في كتاباته، على أن تحرر المجتمع لا يتحقق إلا بتحرر المرأة، وهو يرى أن السلطات الديكتاتورية تستعبد النساء كي تبقي المجتمع في قبضة العبودية، ويصف نفسه بأنه “ابن لائق بثقافة الإلهة الأم”، وهي ثقافة تعود إلى عصور ما قبل الدولة، حين كانت المرأة تقود ثورات الزراعة والمجتمع القروي، ويتعهد بأن يكون صديقاً حقيقياً للمرأة، لا في الخطاب فقط، بل في الفعل أيضاً.
إذ أشارت زهريبان: “يؤمن القائد عبد الله أوجلان أن الاشتراكية الحقيقية تبدأ من حرية المرأة، ومشروعنا ينتقد الزعماء التاريخيين للحركة الاشتراكية مثل ماركس ولينين وستالين، الذين تعاملوا مع قضية المرأة بسطحية، واعتبروها تابعة للرجل، وذلك نقيض ما يراه القائد عبد الله أوجلان، إذ يرى أن الاشتراكية لا يمكن أن تُبنى إلا على أسس أخلاقية، يكون فيها تحرير المرأة هو الركيزة الأساسية”.
أصول الجنولوجيا وأسسه الفكرية
رغم أن مصطلح “جنولوجيا” ظهر بشكل بارز عام 2008، في كتاب القائد عبد الله أوجلان، إلا أن زهريبان قد بينت أنه له جذور امتدت تاريخياً، وجذوره تعود إلى ثلاثة أسس رئيسية: “إن الجنولوجيا ترتكز على حركة حرية المرأة الكردستانية التي بدأت في ثمانينات القرن العشرين، والحركات النسوية الغربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، لاسيما بعد الثورة الفرنسية، والتاريخ المخفي للمرأة الموجود في الآثار والقصص المتوارثة، التي تثبت أن المرأة كانت دائماً جزءاً من مسيرة التغيير”.
وهنا توضح زهريبان: “الجنولوجيا ليس مجرد حركة نسوية جديدة، بل علم مستقل، يختلف عن الحركات النسوية السابقة التي كانت إيديولوجية الطابع، العلم بطبيعته قادر على توليد وتوجيه الحركات، وليس العكس”. فيما تُعد ثورة 19 تموز في شمال وشرق سوريا مثالاً حيّاً على تجسيد فكر القائد عبد الله أوجلان عملياً، فقد شهدت هذه الثورة انخراط النساء في العمل السياسي والعسكري والاجتماعي، من خلال تأسيس وحدات حماية المرأة (YPJ)، ودور المرأة، ومؤتمر ستار، وغيرها من المؤسسات النسوية التي أصبحت نموذجاً عالمياً.
وبهذا أصبحت النساء في شمال وشرق سوريا “موضع قرار”، كما تقول زهريبان، لا مجرد مشاركات، ومنذ استشهاد المناضلة بيريتان عام 1992، دخلت المرأة مرحلة جديدة من النضال، حيث أسست لنفسها مكانة واضحة في ساحات القتال والسياسة والإدارة، متحدية واحدة من أقوى الجيوش في العالم.
وتابعت: “لكن طريق الجنولوجي لم يكن سهلاً، إذ ما زالت النساء يواجهن عقبة كبرى تتمثل في الذهنية التي تطورت على مدار خمسة آلاف عام، والتي تحصر المرأة في أدوار نمطية كالأم المضحية، الزوجة الصالحة، والابنة المطيعة، وجاءت الجنولوجيا لتقلب هذه المفاهيم رأساً على عقب، وتسعى إلى تحرير المرأة من القيود الذهنية والاجتماعية”.
وتضيف: “المشكلة ليست في تعدد الحركات النسوية اليوم، بل في غياب هدف موحد واستراتيجية واضحة، بينما تتميز الجنولوجي بامتلاكها لخطط وأهداف قابلة للتطبيق عالمياً، من الشرق الأوسط إلى أوروبا”.
كما ترى زهريبان أن الحركة النسائية لم تتأخر، فالحركة النسائية موجودة منذ الأزل: “إنّ النساء منذ استعبادهن وحتى اليوم، قدن تاريخ مشرف من المقاومة والكفاح، ولكن التاريخ كتب بأيادي الذهنية الذكورية ومازالت المرأة تقاوم ولكن مقاومتها اقتصرت على جغرافية ضيقة، في إطار محدود ومطالب محددة، مثلاً في الثورة الفرنسية كانت الحركات النسوية تطالب بحق العمل والانخراط في المجال السياسي، وهذا التجزؤ في الحركات النسوية أدى إلى بعثرة القضية النسائية وعدم استمرارها لمدة زمنية طويلة، ونحن نسعى لتلافي هذا الأمر”.
رسالة القائد والأمل
في شباط 2025، أطلق القائد عبد الله أوجلان نداءً جديداً للسلام والمجتمع الديمقراطي، مؤكداً أن المرأة لا يجب أن تكون فقط في موقع القرار، بل هي صانعة القرار نفسه، وقد أرسل رسالة خاصة لعلم الجنولوجيا مع إرسال نبتة رمزية، وقد تطرقت زهريبان إلى النبتة: “لقد كان لهذه النبتة العديد من الدلالات، فقد دعانا القائد لنكون مثلها إذ لها جذر واحد وتتفرع إلى أغصان صغيرة وهذه الأغصان تتفرع بدورها إلى أغصان أصغر، ونحن علينا أن نكون مثلها نتفرع وننمو في جميع أنحاء العالم”.
فيما تطرقت: “لقد شبه القائد ذهنية المجتمع بالسكين المغروس في ظهر المجتمع، وقد أراد أن يوصل رسالة من خلال هذا التشبيه أن استعباد المرأة قد وصل إلى القمة، تشير هذه الرسالة إلى فلسفة عميقة، فالمجتمعات لا تزدهر إلا بتحرر المرأة، التي تُعد مركز توازن المجتمع، وكما أن الظهر هو مركز توازن الإنسان، فإن المرأة هي “ظهر المجتمع”، بحسب تعبير القائد”.
الجنولوجي إلى العالم
وبالرغم من أنها وُلدت من رحم نضال المرأة الكردية، إلا أن الجنولوجيا ليس حكراً على المرأة الكردية، بل مشروع عالمي يسعى إلى التوسع والانتشار، وتسعى الجنولوجي حالياً إلى بناء مراكز بحثية تختص في الجنولوجيا في لبنان، مصر، تونس، الجزائر، والعديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط والعالم، فيما تتابع عملها في تركيا، إيران، العراق وسوريا.
واختتمت عضوة أكاديمية الجنولوجيا في إقليم شمال وشرق سوريا “زهريبان حسين” حديثها برسالة أمل: “نحن نسعى لنشر هذا العلم، لتوعية النساء، وتغيير ذهنية الرجال، وتربية الأطفال على أسس مجتمع ديمقراطي، وسنواصل العمل من أجل تحقيق مشروع السلام الذي طرحه القائد”.
