الطبقة/ عبد المجيد بدر ـ تحوّلت العلاقات داخل بعض الأسر في مدينة الطبقة إلى تواصل شكلي وسط انشغال الأبناء عن آبائهم عاطفيًا وسلوكيًا، في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية متراكمة.
مختصون يحذرون من تصدّع صامت في الروابط الأسرية، ويدعون إلى استعادة الحوار داخل البيت قبل أن يتحوّل الانفصال العاطفي إلى قطيعة دائمة.
ما بين تغير الزمن وضغوط الحياة
في زاوية من حي الصناعة بمدينة الطبقة، جلست عوش المحمد (52 عامًا) تراقب أبناءها وهم يتناولون الطعام بصمت، كلٌّ منهم ممسك بهاتفه.
وخلال لقاء مع صحيفتنا “روناهي” قالت بحسرة: “كنا نجتمع ونتحدث ونضحك، اليوم لا أسمع منهم سوى ضجيج إشعارات الهواتف، أشعر أنني مجرد خادمة في هذا البيت”.
ليست عوش وحدها من تشتكي، أصوات كثيرة في المدينة تشعر أن روابط الأسرة تفككت بهدوء، دون صخب، بفعل انشغال الأبناء عن آبائهم، سواء بفعل التكنولوجيا، الضغوط، أو تغيرات اجتماعية عميقة، ما بدأ كظاهرة فردية، بات اليوم قضية اجتماعية تهدد التوازن داخل العائلة السورية.
ما بين تغيّر الزمن، وضغوط الحياة، وغزو التكنولوجيا، تفقد الأسرة السورية شيئًا فشيئًا ذلك الدفء الذي كان يميزها، لم يعد الحوار اليومي حاضرًا، ولم تعد العلاقة بين الآباء والأبناء كما كانت. فهل ما نراه حالة عابرة، أم بداية تفكك صامت؟
شهادات من الواقع
ومن جانبها قالت سارة العلي (55 عامًا) من الحي الأول في مدينة الطبقة: “أشعر بأنني أصبحت غريبة عن أبنائي، لا أجد وقتًا معهم، حتى في ساعات اللقاء لا أجد حديثًا يُشعرني بأنهم موجودون معي”.
في حين عبر الأب “حاتم الناشف” من حي المهاجع عن قلقه: “أبناء اليوم يعيشون معنا جسديًا فقط، لكن قلوبهم بعيدة، ولعل التكنولوجيا زادت الفجوة بيننا”.
هذه الأصوات تعكس واقعًا يتكرر في الكثير من البيوت، حيث يغيب التواصل العميق وتكثر اللقاءات السطحية.
رأي المختص النفسي
وبدوره، أوضح استشاري علاج نفسي ورئيس مركز ذات الدولي “عبد الفتاح الحميدي“، أن هذه الظاهرة ليست عارضة بل نتاج تراكمات نفسية واجتماعية: “عندما يغيب الحوار والمودة داخل الأسرة، يلجأ الأبناء إلى عوالم افتراضية تعوضهم عن الفجوة العاطفية، لكن هذا الحل مؤقت ويزيد المشكلة تعقيدًا”.
وأضاف: “الأبناء لا يهجرون آباءهم عن قصد، بل لأنهم لا يجدون من يسمعهم أو يشاركهم لحظاتهم. من جهة أخرى، يعيش الآباء ضغوطًا نفسية واقتصادية تجعلهم غائبين رغم وجودهم”.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 70% من الأسر في مناطق إقليم شمال سوريا تعاني من ضعف التواصل العائلي، بسبب الظروف القاسية التي مرت بها البلاد من نزوح وتهجير وحرب وأزمة اقتصادية. المدينة التي كانت تحتضن الأسر، تحولت إلى فضاء مليء بالتحديات التي تنهك الجميع، فتتضاءل قدرة الآباء والأبناء على بناء علاقات سليمة.
إحصائيات حول الظاهرة
72% من الأسر السورية تعاني من ضعف في التواصل العاطفي اليومي.
61% من الشباب يرون علاقتهم بآبائهم “سطحية أو شكلية”.
53% من الآباء يعترفون بعدم قدرتهم على التفاعل النفسي مع أبنائهم.
وهذه الأرقام تعكس مدى عمق المشكلة وضرورة التحرك لمعالجتها.
حيث قال “الحميدي”: “يجب أن نعمل على مبادرات تعيد العائلة إلى مكانتها الحقيقية، من خلال أنشطة مشتركة وجلسات حوار تعزز التفاهم بين الأجيال”.
دعوة للحلول والمبادرات
وشدد الاستشاري النفسي “عبد الفتاح الحميدي” في ختام حديثه، على أن معالجة الظاهرة تبدأ من داخل الأسرة، بوعي أفرادها لأهمية الحوار والاهتمام، إلى جانب دعم مؤسسات المجتمع المدني التي يمكن أن توفر بيئة حوارية آمنة. كما يُعتبر إدخال برامج توعية في المدارس والمراكز الاجتماعية خطوة أساسية لإعادة بناء جسور التواصل بين الآباء والأبناء.