قامشلو/ علي خضير – تزامناً مع اليوم العالمي للبيئة في الخامس من حزيران الجاري، سلَّطنا الضوء على الحالة البيئية في سوريا بشكلٍ عام وشمال وشرقها بشكلٍ خاص، وما تأثَّرت به البيئة خلال سنين من الحرب واستخدام أسلحة كيميائية، بالإضافة للاستخدام العشوائي لمصادر معيشية وخدمية، وهيئة البيئة لإقليم شمال وشرق سوريا توضّح طرق المعالجة الفيزيائية والكيميائية، وحملاتها لزيادة الغطاء النباتي لتنمية البيئة المجتمعية للمنطقة والرقيّ بها.
استخدام النظام البعثي السابق والمرتزقة الإرهابية للأسلحة المحرمة في عدة مدن ومناطق سوريّة، أدّى لحدوث تلوث للتربة، كما للاستخدام العشوائي للمصافي النفطية تأثير كبير في تلوث المياه الجوفية، أمّا السبب الرئيسي الذي أدى لتدهور البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا هو حبس المياه من قبل المحتل التركي عنها، وتدمير منشآت الكهرباء التي تعد العامل الرئيسي لتوفير مياه السقاية وزيادة الأشجار، وكان يعتمد على المياه التي حُبِسَت أكثر من خمسة ملايين نسمة في المنطقة كمصدرٍ رئيسي للحصول على مياه الشرب والسقاية ومصدر لتوليد الطاقة الكهربائية، ما ألحق أيضاً ضرراً بالنظام البيئي المائي والتنوع البيولوجي لمناطق الإقليم.
اليوم العالمي للبيئة هو مناسبة عالمية تقودها الأمم المتحدة للبيئة، ويُحتفى بها في الخامس من حزيران من كل عام منذ عام 1973، وتُعد هذه المناسبة أضخم منصة عالمية للتوعية البيئية، يشارك فيها الملايين من الأفراد حول العالم، حيث تستضيف في هذا اليوم من كل عام مدينة في العالم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم، وستستضيف جمهورية كوريا فعاليات عام 2025، عمل يوم البيئة العالمي خلال الخمسة عقود الماضية على زيادة الوعي والتشجيع على قيادة تغييرات إيجابية في الشأن البيئي.
تأثيرات مُخلّفات الحرب على بيئة سوريا والمنطقة
في عهد النظام السوري البائد استُخدِمت الأسلحة المحظورة والمحرمة في سوريا، وهناك تقارير موثقة لهذا الشيء، وأكَّدت منظمات حظر الأسلحة الكيميائية استخدام غاز السارين والكلور بشكلٍ كبير في عدة أماكن من قبل النظام البعثي، كان ذلك في عام 2013 و2015 و2018 في عدة مناطق سوريّة.
أيضاً هناك تقارير موثوقة باستخدام المجموعات المرتزقة لهذه الأسلحة في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وكانت تصنعها وتستهدف المدنيين بشكلٍ خاص، حيث استُخدِم غاز الخردل في كوباني عام 2015 من قبل مرتزقة داعش.
فمخلفات الحرب وملوثاتها الكيميائية تهدد البيئة بشكلٍ كبير بصمت دون أن نشعر بذلك، ما سيؤثر على البيئة مستقبلاً، والتي لا تؤثر فقط على التربة أو الأشجار مثلاً، إنما إن تطورت ولم تُعالج من الممكن أن تطرح جزيئات تؤثر على الإنسان أيضاً وتسبب أمراض عديدة أبرزها السرطان.
إعادة تأهيل القطاع البيئي في المنطقة بسُبُل جمّة
ولمعالجة هذا الأمر وبحسب الرئيسة المشتركة لهيئة البيئة بإقليم شمال وشرق سوريا “بسمة محمد” بأن هيئة البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا تبحث عن طرق تخليص البيئة من ملوثات ومخلّفات الحرب بعدة مراحل، تلك المخلفات التي طالت البيئة ودمّرت نسبة كبيرة منها ولا سيما المخلفات الكيميائية، “ومن الأرجح إن أحدثت هيئة البيئة تحليل للتربة في عموم سوريا، سنجد فيها شعاعات نووية بسبب استخدام الأسلحة المحظورة من قبل النظام السابق والمرتزقات الإرهابية، فهناك معالجات بيولوجية باستخدام مواد دقيقة متخصصة لهذا الشيء، بالإضافة لاستخدام تقنيات معالجة الكيمياء والفيزياء الحديثة لإزالة العناصر السامة من المياه والتربة، تعمل عليها هيئة البيئة في الوقت الراهن للمنطقة”.
وتعمل هيئة البيئة على إعادة تشجير المنطقة وبشكلٍ خاص بعض النباتات التي تمتص المواد السامة من التربة. أيضاً هناك ملوثات يستخدمها الأهالي في المنطقة كبدائل للكهرباء مثل المولدات، ومصافي النفط المحلية الصنع (الحراقات)، وحرق النفايات بشكلٍ عشوائي وغير قانوني، بالإضافة لقطع الأشجار الذي حصل في عفرين بشكلٍ خاص من قبل مرتزقة الاحتلال التركي، والذي بدوره يؤثر بشكلٍ كبير على النظام البيئي وتوازنه.
فللحراقات العشوائية تأثير كبير على البيئة بسبب إطلاقها لمواد سامة مثل الديكسونات (وهي قسم آخر من السموم في الرماد، وتتواجد أيضاً في الإصدارات الغازية) وتسبب تلوثاً في التربة والمياه الجوفية نتيجة العمل العشوائي في الحراقات، وفي وقتنا الحالي ما زلنا نعاني من هذا الشيء ولا زالت هناك حراقات تستخدم في مقاطعتي الجزيرة والفرات، ما أثَّر بشكلٍ كبير ومباشر على البيئة، كما تُطلَق أدخنة تؤدي بشكلٍ كبير لحدوث الاحتباس الحراري، من أدخنة السيارات والمصانع ومولدات الكهرباء وغيرها.
وأثر انقطاع الكهرباء على البيئة بنسبة 70 %، لما سبّبه من جفاف وزحف للتصحر وقلة المساحات الخضراء، بالإضافة لاستهداف البنية التحتية من قبل الاحتلال التركي، مثل قطاعات الصحة والتعليم والقطاعات الخدمية وبشكلٍ خاص قطع المياه وحبسها عن المنطقة، واستهداف محطة علوك التي تعتبر الشريان الرئيسي للمنطقة وبالأخص لمدينة الحسكة وريفها.
أيضاً لاستهداف المنشآت الصناعية والنفطية وآبار النفط والمصافي وغيرها من المنشآت النفطية الاستراتيجية ومحطات توليد الطاقة، دور كبير في الخسائر التي أدت لفقدان الكهرباء التي هي عصب الحياة للمنطقة والبيئة في إقليم شمال وشرق سوريا، وتسبب ذلك بانهيار تدريجي للقدرة الخدمية للمنطقة، وتعميق معاناة المواطنين والتنمية البيئية والاقتصادية والموارد الحيوية.
دور الهيئة في التخلّص من الشوائب البيئية
وأكَّدت بسمة إنَّ هيئة البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا بصدد القيام بعدة أعمال من رصد وتقييم الوضع البيئي ومتابعة مصادر التلوث، مثل حرق النفايات بشكل عشوائي ومخلفات المصانع والنفايات ومولدات الكهرباء، ومراقبة جودة الهواء والماء، وإطلاق حملات تشجير وتنظيف، وتنظيم أيام تطوعية لإزالة النفايات من الحدائق والأحياء وزرع الأشجار لمكافحة التصحر، وزيادة التوعية المجتمعية، بالإضافة لتنظيم ورشات توعوية حول فرز النفايات وإعادة تدويرها، وتحفيز الأهالي على استخدام بدائل للطاقة والوقود، وذلك بالتنسيق مع المنظمات المجتمعية والمدنية والتعاون مع المنظمات الحيوية والدولية لدعم مشاريع الطاقة الحيوية وإنشاء محطات لمعالجة المياه.
وكحلولٍ وبدائل للطاقة الكهربائية تؤكّد هيئة البيئة بأنَّ مشروع الطاقة الشمسية هو مشروع مؤكد لأن الطاقة الشمسية صديقة للبيئة، تحميها من الانبعاثات الكربونية التي تنتج عن أدخنة المولدات، وهو استثمار في استقرار المنطقة ورفاهية السكان وتوفير حل طويل الأمد لمشاكل الكهرباء ويعزز البيئة الاقتصادية وسط الظروف الصعبة.
حملات زراعة الأشجار كوسيلة تحسين للبيئة في الإقليم
من جانبٍ آخر عانى الإقليم في الفترة الأخيرة من تدمير للبنية التحتية وقطع الأشجار من قبل مرتزقة المحتل التركي وبشكلٍ خاص في مدينة عفرين المحتلة، بالإضافة للرعي الجائر، فأطلقت هيئة البيئة حملات عدة لزراعة الأشجار وزيادة الغطاء النباتي، الذي له الدور الأكبر في تحسين وتنمية البيئة المجتمعية في الإقليم، حيث استهدفت الحملات الحدائق والمنصفات والدوارات وفي الأرياف أيضاً، وشملت الحملة عدة مناطق في مقاطعتي الجزيرة والفرات، وبشكلٍ خاص المناطق المتضررة في مقاطعة الجزيرة؛ لأنها تضررت وعانت من زحف التصحر في ظل انقطاع المياه.
فيما أشارت بسمة إلى أنَّ أكثر الأشجار التي تمت زراعتها هي الأشجار الحراجية في المناطق التي تحتوي مياه جوفية مالحة وبشكلٍ خاص في مناطق الجزيرة والبادية، حيث تتحمل هذه الأشجار العطش والمياه المالحة، وتتحمّل ظروف المناخ أيضاً، كما تمت زراعة بعض الأشجار المثمرة في مقاطعة الفرات مثل (الزيتون، التوت اللوز، الأكاسيا، الكينا، والصنوبر)، وتمت أيضاً زراعة أشجار الموز كتجربة في منطقتي الطبقة والرقة وكانت ناجحة.
وتهدف هيئة البيئة لإقليم شمال وشرق سوريا من هذه الحملات لزيادة الغطاء النباتي بالدرجة الأولى، بالإضافة للمحافظة على البيئة، فالشجرة ليست فقط للمناظر الخلابة بل لتنقية الهواء وجلب السحب والأمطار، وضماناً لذلك لا زالت هيئة البيئة مستمرةً بحملاتها في زراعة الأشجار، وهناك أيضاً مشاريع لعام 2025 تستهدف المناطق التي تم قطع الأشجار فيها وزيادة زراعة الأشجار ضمن المحميات.