بهار أورين
يُعدّ حل قضية حرية المرأة أحد الركائز الأساسية لحركة التحرّر الكردستانية بقيادة القائد عبد الله أوجلان، وقد أجرى القائد العديد من التقييمات والتحليلات الاجتماعية والتاريخية والفلسفية فيما يتعلق بالمرأة باعتبارها هوية اجتماعية، وفي الواقع، أكد القائد أهمية وأولوية قضية حرية المرأة على القضية الكردية، ويتعلق هذا الشرح بأهمية حرية المرأة، وبالتالي حرية المجتمع، ومن الواضح في الواقع الاجتماعي لكردستان والشرق الأوسط، أن أساس ومقياس الحرية الاجتماعية هو حرية المرأة.
لقد وُضعت العديد من التعريفات لتفسير الوضع التاريخي للمرأة، ووصف القائد المرأة بـ “المستعمرة الأولى والأخيرة”، وبالفعل إذا ما نظرنا إلى بنية الحضارة الطبقية والحضارة الأبوية، نرى أنّ التسلسل الهرمي والهيمنة الأولى فُرضِا على المرأة، وفي الحقيقة، إنّ أساس الحضارة الأبوية والطبقية هو استعباد المرأة، وفي النتيجة؛ فإنّ تحرير المرأة يُعدُّ أحد العناصر الأساسية لتغيير البنية الطبقية والسلطة، ومن المؤكد أنّ اضطهاد المرأة لا يقتصر على الإرادة والجسد فحسب، بل هو أوسع من ذلك بكثير، فالحرمان من قوة اتّخاذ القرار والاستيلاء على القيم والإنجازات المادية والمعنوية والتاريخية والعلمية للمرأة، وإهمال المرأة كهوية اجتماعية بشكلٍ عام، لقد كان لقمع المرأة عواقب سلبية كثيرة، ونحن لا نزال نواجه آثاره حتى يومنا هذا، لذا ومن أجل تحقيق مجتمع حر وديمقراطي، يتعين علينا أولاً حل “مشكلة المرأة”، وقد ربط القائد عبد الله أوجلان بين أسس الاشتراكية ومعاييرها وحرية المرأة والعلاقة مع المرأة بشكل عام.
ومن المفاهيم التي طرحها القائد عبد الله أوجلان لدراسة مراحل تشكل هوية المرأة وإعادة تعريفها “آركيولوجيا المرأة”، فقد حاول القائد دراسة المفاهيم والكلمات المستخدمة لتعريف المرأة من خلال الاستفادة من منهج “آركيولوجيا المعرفة” لميشيل فوكو، وآركيولوجيا المرأة هو في الحقيقة تحليل اجتماعي تاريخي للمقالات المتعلقة بالأنوثة، لقد استخدم القائد عبد الله أوجلان هذا المفهوم لأول مرة في مناقشاته مع برفين بولدان خلال لقاءاتهما في إمرالي، وقد أولى دائماً أهمية كبيرة لدراسة هذه المفاهيم والبحث فيها، لذا فإنّ تطرّقه لثقافة الساتي والفتاة القبلية وملكة القصر والمرأة الحرة هو في الواقع محاولة لإلقاء الضوء على تاريخ المرأة، وتشكّل هذه الدراسات التاريخية أساساً لتثقيف النساء حول أهمية رفض المفاهيم والتفسيرات المؤدية إلى اضطهاد المرأة.
الساتي هو تقليد هندي، يعني حرق النساء أحياءً مع أزواجهن بعد وفاتهم، ويعني الجذر اللغوي لكلمة “ساتي” في اللغة السنسكريتية المرأة الصالحة المضحية، على الرغم من أن الساتي (حرق الأرامل) يعدّ مرتبطاً بالثقافة والدين الهندوسي، إلّا أنّه في الواقع تقليد قديم يعتمد على العنف ضدّ المرأة، ولهذا فإنّ التقاليد والثقافات التي بُنيت خلال العصر الأبوي تعمل في الواقع على شرعنة القتل والعنف ضدّ المرأة وتربطهما بالإيمان والدين، ولهذا السبب يؤكد القائد على قدسية المرأة في إطار ثقافة “الإلهة”. وبالطبع لا تتوافق هذه القدسية مع قدسية المرأة في ثقافة الهيمنة الذكورية التي تقيّد المرأة وتحاصرها داخل حدود المنزل بذريعة القدسية، لأنّ الإلهة هي تمثيل لوجود المرأة وسلطتها في المجتمع، إنّها تحدّد الدور الحاسم الذي تلعبه المرأة وتأثيرها في الحياة، ومهاراتها في العلاقات الاجتماعية والقيادة والمسؤولية، ولهذا، عندما يعرّف القائد الآلهة، فإنّ يصفهم بـ “النساء اللواتي أنجحن ثورة العصر الحجري الحديث” وهو ما يشكل بلا شك تأكيداً على تشكيل المجتمع حول ثقافة وقيم المرأة الأم، إنّ إحياء ثقافة الآلهة هو في الواقع إعادة تعريف للتاريخ الخفي للمرأة، ودورها الحاسم في نقل الثقافة واللغة، والتنشئة الاجتماعية.
وأشار القائد عبد الله أوجلان إلى انتهاك حقوق المرأة بحجة الثقافة والقيود المتجذرة، مستشهداً بقول سيمون دي بوفوار “إنّ النساء لا يولدن نساء، بل يصبحن نساء” وهذه الحدود هي نتاج عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكن المرأة كانت مصدراً وناقلة للثقافة عبر التاريخ، ولعبت دوراً مهماً في الحفاظ على الذاكرة الجماعية ونقلها إلى الأجيال اللاحقة، لذا فقد تمّ تجاهل مدى فعاليتها وتأثيرها على الدوام من قبل الثقافة السائدة والتاريخ الرسمي، ولهذا السبب أولى القائد أهمية للكشف عن تاريخ المرأة وكتابته وجعل ذلك واجباً عليها.
إذا نظرنا إلى المشاكل الاجتماعية التي تواجهها المرأة، فسوف نرى عمق “قضية المرأة”، خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت جرائم قتل النساء، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بسبب تأثير الحرب العالمية الثالثة، ولا تزال عمليات الاغتصاب والعنف والتعذيب والمحظورات وإنكار هوية المرأة مستمرة في هذه المنطقة الجغرافية، ولكن إلى جانب هذه السياسات، تستمر مقاومة المرأة ونضالها، وفي تطوير وتنفيذ هذه السياسات، نرى دائماً وحدة بين الدين والدولة والثقافة الأبوية، ولهذا السبب يتحدث القائد دائماً عن القضاء على “ثقافة الاغتصاب” ومكافحتها، فهذه الثقافة هي التي تجعل الاغتصاب يبدو أمراً طبيعياً، وقد أدّى ذلك إلى عدم محاسبة المغتصبين، واستمرار هذه الثقافة بطرق مختلفة، وتشكّل هذه الثقافة جزءاً من العنف الممنهج ضد المرأة، ولهذا يمكن أن يشكّل التعليم والتنظيم والعمل بمثابة جبهة ضد ثقافة الاغتصاب، إضافة إلى ذلك، فإنّ حماية بعضنا البعض وتحمّل المسؤولية تجاه بعضنا البعض هو أحد معايير المجتمع الأخلاقي والسياسي.
يمكننا القول إنّ حل قضية المرأة يُعدّ أحد المعايير الأساسية للمجتمع الديمقراطي، ويتحدث القائد في تقييماته عن “ثقافة المرأة الحرة”، ولا يمكن تحقيق هذه الثقافة إلّا من خلال التغلب على الثقافة الأبوية، وفك رموز عبودية المرأة، والنضال والمقاومة ضدّ التسلّط وقتل النساء، وعلى الرغم من أنّ المرأة بدأت السير على هذا الطريق منذ زمن طويل، فإن الطريق لا يزال طويلاً وصعباً أمامنا، ومن المؤكد أنّ بناء الوعي بالمساواة وتقرير المصير يمكن أن يقود المجتمع نحو المساواة والتعايش الحر.