سوزدار وقاص (إعلامية)
تولد الثورات تستمر وتنجح وتنتصر نتيجة كدح ونضال الشعوب، إن عام 2012 كان عاماً هاماً بالنسبة للشعب الكردي، انضم الشعب بحماس وشجاعة كبيرة إلى هذه المقاومة، وعاماً تِلو عام شكلت الثورة حاضنة كبيرة ضمت كل الشعوب والأطياف، إذ أن الثورة مستمرة اليوم بعامها الثالث عشر.
عند الحديث عن ثورة روج آفا لا بد لنا من تسليط الضوء على نضال المرأة ودورها البّناء في الثورة، حيث كانت أكثر عنصراً فعالاً وأكثرهم انضماماً ولعبت خلالها دوراً عظيماً وخاضت نضالاً لا شبيه له وبهذا النضال صعدت من مقاومتها وكللّت لنفسها اسماً يحكي به في جميع أصقاع العالم.
نظمت النساء أنفسهن ضمن حركات وتنظيمات خاصة بهن ومارسن عملهن النضالي وكن الرياديات في جميع ساحات الثورة السياسية والتنظيمية والحياتية والتدريبية وحتى العسكرية، وخطت خطوات هامة في سبيل توعية المرأة وتمكينها لتبني الدور الطليعي في الوصول إلى حريتها، كما عملن في المجال الدبلوماسي وافتتحن بفكرهن آفاقاً جديدة وعرفن بهذه الخطوات نساء العالم أجمع على مقاومة المرأة في ثورة روج آفا والإنجازات التي حققتها.
عسكرياً قاومت المرأة وخاضت مقاومة بطولية طيلة أعوام الثورة وحققت العديد من الانتصارات، حيث كانت في خنادق القتال الأمامية لمحاربة المحتل التركي، ومرتزقة داعش والمجموعات المرتزقة التابعة لها، وأصبح لوحدات حماية المرأة اسماً كتب بحروف من ذهب في مقاومة كوباني وعفرين والشيخ مقصود والحسكة وقامشلو وسد تشرين أخيراً وكانت مثالاً للمرأة المقاتلة وأصبحت نموذجاً ومصدر إلهام يحتذى بها في يومنا.
بالطبع لا بد لنا أن نعود إلى جذور هذه المقاومة المكللة بالانتصارات التاريخية، حيث خلقت نفسها من ميراث حركة التحرر الكردستانية النابعة من الميراث النضالي الذي قادته الشهيدة ساكينة جانسيز، شيلان باقي، زيلان، بيريتان وباقي النساء المناضلات.
إن تمعنا النظر قليلاً في التاريخ نرى بأنه أينما تواجدت المرأة وجد الانتصار هناك، وأينما وضعت بصمتها كان النِتاج هناك، واليوم خلال ثورة روج آفا تكتب تاريخها وحاضرها، وبطليعتها اتسمت الثورة باسمها (ثورة المرأة).
ومن هذا المنطلق، بدأ القائد عبد الله أوجلان قبل كل شيء بثورة المرأة وتطرق إليها قائلاً “إن لم تتحرر المرأة لا يمكن للمجتمع أن يتحرر، وإن لم تنظم المرأة نفسها لا يمكن من تنظيم المجتمع أيضاً، وإن لم تشارك المرأة في العمليات لا يمكن للمجتمع الانضمام إلى العمليات، وإن لم تقم المرأة بحماية ذاتها لا يمكن للمجتمع أن يحمي نفسه، وإن لم تصبح المرأة صاحبة اقتصاد حر لا يمكن أن يكون للمجتمع اقتصاد حر” أي إن أيديولوجية المرأة هي أيديولوجية اجتماعية.
المرأة وبصمتها في الاتفاقية
بعد سقوط النظام البعثي وسيطرة هيئة التحرير الشام على كامل الجغرافية السورية تغيرت المفاهيم في عقلية الحكم حيث بدأ بفرض الإسلام المتشدد والذهنية المستمدة من العصر الحجري على الشعب والمرأة خصوصاً ومنع من وجودها في الدوائر الرسمية، والسلطة أصبحت احتكاراً على الرجال فقط.
لكن في مناطق شمال وشرق سوريا كانت وما تزال المرأة محافظة لخصوصيتها وذاتيتها، رافضة عقلية الجنس الواحد مؤمنة بمبادئ الحياة التشاركية الحرة، لذا عملت بجهدٍ كبير في الداخل السوري وعقدت عشرات الندوات وورش العمل في سبيل التعريف بدورها وصون حقوقها في الدستور ومكانتها في المجتمع والعمل كما الرجل لا وبل بأكثر نشاط وفعالية .
في الوقت الذي تنكر السلطة فيه دور المرأة، وضعت المرأة الكردية بصمتها الخاصة بها في عقد اتفاقية بين وفد الإدارة الذاتية وسلطة دمشق متحدية الواقع.
في الأول من نيسان 2025 وقع المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية الاتفاقية بشأن وضع الحيين بأيدي الرئاسة المشتركة للمجلس هيفين سليمان ونوري شيخو اتفاقية مكونة من 14 بند مع سلطة دمشق بشكل رسمي، تلك الاتفاقية كانت الأولى التي توضع المرأة خلالها بصمتها مع السلطة.
في مقالتي السابقة نشرت عن ذلك وأشرت إلى أن هيفين سليمان بدورها هذا أصبحت أيقونة للنضال واجهت به تحديات المجتمع والحرب معاً ونهضت لتقود مسيرة التغيير، بإيمانها العميق بدور المرأة في بناء المجتمع وتصميمها في مواجهة الأيديولوجيات المتشددة.
مرةً أخرى، عقد وفد شمال وشرق سوريا أعضاء اللجنة التي تشكلت في 12 نيسان اجتماعاً في دمشق مع وفد من سلطة دمشق، في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الحوار ومتابعة تنفيذ اتفاق 10 آذار، ضمت سبعة أشخاص بينهم ثلاث نساء وهن كل من فوزة يوسف عضوة الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي ، سوزدار حاجي، عضوة القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية، مريم إبراهيم الرئيسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بينما خلّى طرف سلطة دمشق من أي تواجد للمرأة. هذا يؤكد لنا أن نجاح أي ثورة، أو قضية لا بد من وجود المرأة فيه، بدونها محال أن تنتصر.
ما أود قوله إن سوريا بحاجة إلى تواجد فعال للعنصر النسائي في الدوائر الحكومية وممارسة عملها في السلطات والانغماس في السياسة والقانون والحقوق، فإنكار دورها يعني إنكار قضية الحل من أساسها، ويعني أن ما بدأه النظام البعثي طيلة أعوام الماضية سيتكرر حتماً ولكن بشكل أفظع أيضاً.
المطلوب اليوم من النساء السوريات هو توعية أنفسهن وفكرهن والإصرار في إبداء آرائهن ولعب دورهن الريادي في المجتمعات، من ربة أسرة إلى مكانتها في العمل وإلى قيادة السلطة وتكون صاحبة القرار وتستفيد من هذه اللحظات التاريخية من خلال الإنجازات التي حققتها المرأة في ثورة روج آفا وتقفز نحو نضالها بتمكين طاقاتها وفق ثلاثية الأوجلانيزم “المرأة الحياة الحرية”.
نحن أمام مرحلة حساسة ومفصلية وعلى النساء أيضاً العمل وفق متطلعات المرحلة ليكنَ متواجدات في المستقبل بكيانهن الخاص بهن.