قامشلو/ دعاء يوسف ـ في ركنٍ مظلم من مركز إيواء يعجّ بالحكايات المنسية، يُصارع الطفل محمد شيخو الزمن بجسد أضناه المرض، وعصرته غربة سنين، فبين جدران مدرسة غاب عنها الزمن وانحسر، وتحت سماء فضفاضة، يرقد الطفل “محمد شيخو”، ذو الثانية عشرة سنة، صامتًا أغلب الوقت، إلا من جملة واحدة يرددها كلما خبأ صوته في حضن أمه “بدي أرجع أمشي متل قبل”.
“محمد علي شيخو” رقم جديد في تقارير التهجير، ووجهٌ آخر من وجوه الحرب، ومرآة عاكسة لخذلانٍ مضاعف، فقد خذله المرض أولًا، والمجتمع ثانياً، حين لم يعد قادراً على النظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة إلا عبئاً ثقيلاً.بداية المعاناة
ولد الطفل “محمد شيخو”، بقدرة محدودة على المشي، فكان يعرج قليلاً لكنه يركض ويلعب كباقي الأطفال، ومع مرور السنين، بدأ جسده يخونه بصمت، إلى أن كشفت الفحوصات عن مرضٍ نادر وموجع “الضمور العضلي”، ذاك الوحش الصامت الذي يسرق عضلات الطفل رويدًا رويدًا، ويتركه في مواجهة العجز.
وفي زيارة صحيفتنا “روناهي” واحدا من مراكز الإيواء، التقينا الطفل “محمد علي شيخو” والذي حدثنا بحماس عن أطفال باحة المركز الذين تتسابق أقدامهم مع الكرة، وهو جالس مرغم في صفوف المتفرجين: “لقد كانوا يركضون بسعادة، والهواء يراقص وجوههم، لقد كانوا سعداء فأردت مشاركتهم، ولكن لم أستطع ترك كرسي الذي سئمته”.
ويعيش شيخو على أمل والده، ودموع والدته، إذ يشعر أنه غصة عالقة على أبواب العجز، ولكنه بالرغم من ذلك يردد كلمات والده: “ليس هناك يأس أستطيع أن أمشي يوماً ما”.
كما أشار إلى معاناته من نظرات اليأس التي ترافقه من أقرانه: “إنني قادر على الاستمرار، فربما أواجه مشكلة في المشي، ولكني لست عاجزاً، فأنا لدي أمل أن أمشي ثانيةً ولكن لا أعرف متى”.
بحاجة للمساعدة
والد الطفل، “نضال عبد المنان شيخو“، تحدث بمرارة الأب العاجز عن حماية فلذة كبده: “كنا نظن أن حالته ستتحسن مع الوقت، ولكن مع كل يوم حالته بدأت تسوء، وقد أخذناه إلى دكتور بحلب، وشخّص حالته، وأعطانا أدوية، لكن دون جدوى، الأمل الوحيد صار العلاج في الخارج إذ لا تتوفر الأجهزة لعلاجه هنا، ولكن كيف؟ فلا نملك القدرة على تغطية تكاليف السفر والعلاج”.
فاليوم لا يستطيع الطفل شيخو الأكل وحده، ولا الجلوس لفترات طويلة، حيث يحتاج إلى رعاية مستمرة، وصبر يفوق الاحتمال، وبينما ينشغل العالم بالسياسة والحروب والحدود، هناك في زاوية منسية من مركز إيواء، يجلس طفل صغير، بحلم بسيط، أن تعود قدميه للحركة، وأن يركض خلف أخوته، ليشعر بسعادة الأطفال ثانيةً.
هذا وقد بين والد شيخو، أنه ليس طفلاً متطلباً، إذ يراعي والديه كثيراً، لكنه يريد اللعب كالأطفال في الباحة، وعلى والديه حمله مع الكرسي المتنقل ومساعدته على النزول والحركة في أكثر الأوقات، حيث أن بنيته الجسدية لا تساعدهما على ذلك: “إننا في زمن يعج في الحروب والأزمات ولا نعرف متى نعود إلى ديارنا أو متى نخرج هاربين مرة أخرى من بطش الحروب، والهرب والسفر لم يكن سهلاً على الأصحاء فكيف على المرضى والعاجزين، وهذا مشقة كافية تجعلنا عاجزين مثله”.
وقد تمنى “نضال منان شيخو”، والد الطفل “محمد علي شيخو” في ختام حديثه، المساعدة ممن لديه القدرة لتأمين رحلة علاج لولده “محمد شيخو” حتى يعود للمشي مرة أخرى على قدميه.
يذكر، إن قصة الطفل “محمد شيخو” جرس إنذار في وجه الإنسانية، فكم من طفل آخر ينهشه المرض، ويُهمله الواقع؟ وكم من حلمٍ صغير يُغتال كل يوم بصمت، فقط لأنه لا يملك حق الوصول إلى العلاج، أو حتى نظرة رأفة، فأمثال محمد شيخو كانوا ضحية عالم أدار ظهره لذوي الهمم، ونسِي أن في عيونهم يقيم الأمل، وفي قلوبهم قوة، لو امتدت إليها يد الرحمة، لربما تغيّر مستقبلهم.
