روناهي/ برخدان جيان ـ شهدت زراعة القطن انخفاضاً كبيراً في المواسم السابقة والموسم الحالي في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا نظراً لعوامل عدة في ظل تدني إنتاجيته وأسعاره، وصعوبة تصريفه بمقابل ارتفاع أسعار “التكلفة”؛ الأمر الذي أجبر مزارعيه على الاكتفاء بمساحات قليلة تجنباً للخسارة “الحتمية”.
يعد القطن واحد من أهم محاصيل الألياف، ويلعب دوراً هاماً في الاقتصاد الصناعي والزراعي في معظم البلدان، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة، بالإضافة إلى عدة أغراض أخرى كصناعة الخيوط واستخراج الزيوت من بذور القطن إلى جانب توفير المئات من اليد العاملة كل هذه الاستخدامات تعطي قيمة عالية لهذا المحصول.
يخشى مزارعو القطن في إقليم شمال وشرق سوريا من مستقبل مبهم لمحصولهم مع توالي خسائرهم في المواسم الزراعية السابقة؛ نتيجة العوامل الجوية وقلة الهطولات المطرية إلى جانب ارتفاع تكاليف إنتاج المحاصيل، الأمر الذي سبب انحسار مساحات زراعة القطن بعدما كان من المحاصيل الاستراتيجية ومصدر لإعالة الآلاف من الأسر في المناطق الزراعية.
وتوجهت نسبة قليلة من “مزارعي القطن” هذا العام إلى زراعته على الرغم من تكاليف إنتاجه الكبيرة مع بداية موسمه، متعلقين بالحرص على زراعته، وقابلية الأراضي الزراعية في معظم أرياف إقليم شمال وشرق سوريا على إنجاحه الأمر الذي شجعهم على أمل تحسن الأسعار وتعويض الخسائر المتتالية.
وشهد محصول القطن في السنوات المنصرمة تراجعاً في المساحات المزروعة به بعد أن كان يشغل نسبة 60 بالمئة من المحاصيل الصيفية، وتعتمد عليه آلاف الأسر في توفير العمالة وإعالة أسرها لمردوده الجيد، وإنتاجيته العالية قبل أن تنحسر نسبة الأراضي المزروعة به لعوامل تتعلق بنوعية بذور القطن المستوردة التي لا تتناسب مع التربة ومناخ المنطقة، وكذلك نوعية مواد الدعم الزراعي بعد أن كانت توفرها مؤسسات إكثار البذار والوحدات الإرشادية، وتخضع لرقابة صارمة وإشراف مباشر من قبل المختصين.
دعم خجول للقطن والمحاصيل الموسمية…!
عملت “الجهات المعنية” في الإدارة الذاتية الديمقراطية هذا العام على إضافة برنامج دعم للمحاصيل الصيفية ومن ضمنها محصول القطن بنسبة 15 بالمئة من المساحة المرخصة، حيث رحبَّ المزارعون بقرار دعم بعض المحاصيل الزراعية الصيفية في ظل قلة الإمكانيات المتوفرة لديهم لتمويل محاصيلهم مع بدء النشاط الزراعي الصيفي برغم قلة نسبة الدعم.
وبحسب “قرار هيئة الزراعة ” تتضمن الخطة تشجيع زراعة الخضار الصيفية من خلال توفير مادة المازوت بالسعر المدعوم، إضافةً إلى تقديم السماد العضوي بأسعار تشجيعية.
كما شملت “خطة الدعم” مزارعي القطن عبر توفير المازوت الزراعي بالسعر المدعوم، وتأمين البذور الجيدة والملائمة للظروف المناخية السائدة في المنطقة، والأسمدة العضوية بأسعار مدعومة، ودعت جميع المزارعين الراغبين في زراعة القطن أو الخضار الصيفية إلى مراجعة الوحدات الإرشادية في مناطقهم لتثبيت المساحات التي ينوون زراعتها، والاستفادة من المواد المدعومة المذكورة أعلاه.
الحاجة لبنية تحتية زراعية
ويتميز محصول القطن عن غيره من المحاصيل الأخرى بحاجته إلى السقاية الدائمة (الدورية والمنتظمة)، وتصل عدد رياته خلال دورة نموه إلى 10 ريات إلى جانب حاجته إلى المكافحة واليد العاملة بالتوازي مع دعمه بالأسمدة الملائمة، وبهذا الصدد أجرت صحيفتنا لقاء مع المهندس الزراعي “إبراهيم العلي” الذي أكد بأن أغلب الأراضي الزراعية المروية في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا تحتاج إلى الاستصلاح، والعمل على إصلاح البنية التحتية للمرافق الزراعية من (قنوات ري ـ مصارف مياه زراعية ـ معالجة تملح التربة….إلخ)، بعد سنوات طويلة من الزراعات الجائرة التي لحقت بالأراضي الزراعية وخاصةً المروية منها.
وأضاف: “كذلك يحتاج الأمر إلى تفعيل للوحدات الإرشادية، ومراقبة الصيدليات الزراعية والكشف عليها لمعرفة أنواع المبيدات الزراعية، ومدى فعالية مواد الدعم الزراعية، وتاريخ منشأها، وهذا يتطلب الكثير من العمل ووجود مراكز فعالة للبحوث الزراعية”.
وحول محصول القطن أشار العلي إلى أن “إنتاجية محصول القطن انخفضت إلى النصف تقريباً ففي المواسم السابقة يتراوح إنتاج الدونم الواحد بين (150 ـ 300) كيلو غرام، وتفاجأنا في العام الماضي بمستويات إنتاجية صادمة حيث تدنى الإنتاج إلى 80 كيلو غرام للدونم الواحد بسبب عدم فاعلية المبيدات الحشرية، ووجود حشرات مقاومة للعناصر القاتلة بالإضافة إلى عدم قدرة مزارعيه على توفير الدعم اللازم للقطن”.
وشدد المهندس “إبراهيم العلي” في نهاية حديثه على أن مسألة رفع إنتاجية المحاصيل الزراعية ومن ضمنها القطن تحتاج إلى بناء بنية تحتية زراعية في المقام الأول، ووجود الكوادر الإرشادية الكفؤة من فنيين ومهندسين ومراقبين، وكلها حلقة متصلة ببعضها البعض بالإضافة إلى وجود دعم من قبل الجهات المعنية للنهوض بالزراعة عموماً، ومحصول القطن خصوصاً.
دعم مختصر وخجول
من جهتهم يشتكي مزارعو القطن في إقليم شمال وشرق سوريا من تأخر الدعم الزراعي المتعلق بالمحاصيل الزراعية في كل عام، واقتصارها على “المازوت الزراعي” وبهذا الصدد قال المزارع رجب الحسين: “المازوت الزراعي المدعوم أتى متأخر للغاية كذلك يحتاج إلى وجود ترخيص وإجراءات لدى اللجان الزراعية. لذلك؛ باشرنا في زراعة القطن على الرغم من الحاجة إلى الدعم لتمويل محاصيلنا مع تراكم الخسارات المتتالية على القطاع الزراعي خلال المواسم المنصرمة”.
وأضاف: “نسبة كبيرة من المزارعين لم تتمكن من تمويل أراضيها أو البدء بالحراثة بسبب تراكم الديون، وعدم وجود جهة تمول محاصيلهم، واعتمادهم على تجار السوق السوداء الذين يفرضون أثماناً باهظة لقاء شراء البذور والأسمدة، وضعف آلية الرقابة عليهم جعلهم هم الشريحة الأكثر فائدة بمقابل خسائر المزارع”.
لافتاً إلى أنه اضطر إلى شراء برميل المازوت بـ 130 دولار أميركي لتشغيل محرك الديزل لاستجرار المياه. وشدد على ضرورة أن يحصل المزارعون على مزيد من الدعم من قبل الجهات المعنية في الإدارة الذاتية الديمقراطية بما يحقق أهداف الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد، في ظل عزوف أغلب المزارعين عن زراعة القطن والخضروات بسبب التكاليف الكبيرة المترتبة عليها.
وأردف إلى “كذلك يجب أن تفعل آلية الرقابة والإرشاد الزراعي على تجار المحاصيل الزراعية، ومراقبة الأصناف وخاصة البذور والأسمدة، والمبيدات الحشرية التي أدت خلال المواسم السابقة إلى بروز آفات وأمراض في المحاصيل كالفطريات والدودة… وأمراض تتعلق بالتربة الزراعية، دون وجود مراكز لتحليل التربة، ومختصين لمعالجة هذه المشاكل المتراكمة”.
التكاليف المرتفعة جعلت زراعته “مغامرة”
فيما بين المزارع “إبراهيم الحمد” من (ريف الرقة الشمالي) على أن زراعة القطن هذا العام عبارة عن مغامرة غير معروفة النتائج على عكس المحاصيل الأخرى التي قد تكون أوفر حظاً “خلال الموسم الحالي على الرغم من أن عوامل المناخ لا تساعد هذا العام في الزراعة إلا أننا سنواصل العمل”.
وأردف إلى “تكاليف زراعة محصول القطن كبيرة حيث تصل تكلفة الدونم الواحد إلى (100 ـ 125) دولار أميركي هذا بالنسبة للأراضي الزراعية التي تسقى على قنوات الري (الري بالراحة) فيما ترتفع التكاليف لدى المزارعين الذين يستخدمون محركات الديزل في السقاية، واستجرار المياه من الأنهار أو عبر الآبار الارتوازية لذلك زراعته تكون مغامرة كبيرة، وقد يتعرض المزارع لخسارة كبيرة تمنعه من مواصلة الزراعة بأنواعها”. وأشار إلى أن الكثير من المزارعين ترددوا هذا العام في زراعة القطن، حيث لم تبلغ مساحة القطن بالنسبة للأراضي الزراعية في الرقة على العموم 20 بالمئة فقط بينما كانت تصل لنسبة كبيرة جداً، وبإنتاجية جيدة في حال توفر مراكز التسويق ووجود دعم حقيقي وفعال للموسم من قبيل (سماد ـ بذار محسن ـ تسهيلات أخرى …الخ).
ويأمل الحمد، بأن يكون هنالك برنامج دعم زراعي كفء وفعال من قبل الجهات المعنية في الإدارة الذاتية لعودة زراعة القطن إلى سابق عهدها، وما يجلبه من نفع للمزارع واقتصاد المنطقة.