قامشلو/ ملاك علي – في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير الثقافي والتعليمي، تبرز فيه الحاجة للاعتراف بالتعددية والانفتاح على الهويات المختلفة، وتبرز الجامعة الكردية الدولية مشروعاً طموحاً، وغير مسبوق، يسعى لبناء جسر بين الثقافة الكردية والبيئة الأكاديمية العالمية، من قلب أوروبا، وفي ألمانيا، البلد الذي يحتضن أكبر جالية كردية خارج الوطن الأم.
لقد بقي الكرد عقوداً طويلة شعباً ذا حضور تاريخي وجغرافي وثقافي واسع، لكنهم في كثير من الأحيان افتقدوا المؤسسات الأكاديمية التي تمثلهم وتوثق تراثهم وتنقل صوتهم إلى العالم بلغة العلم والمعرفة، واليوم ومن خلال مشروع الجامعة الكردية الدولية، يتحول الحلم إلى واقع، وتُفتح أمام الكرد فرصة لتأسيس صرح علمي يُعنى بلغتهم، وثقافتهم، وقضيتهم، من خلال مناهج حديثة وكادر أكاديمي مؤهل يتماشى مع القوانين والمقاييس الأوروبية.
خطوة تاريخية نحو أكاديمية كردية عالمية
وبعد جهود استمرت لأكثر من عام ونصف، يقترب مشروع “الجامعة الكردية الدولية” من مراحل متقدمة من الإنشاء، في خطوة تُعد الأولى خارج الجغرافيا الكردية، ويأمل القائمون على المشروع أن يتم استكمال ما تبقى من الخطوات قريباً في أواخر سنة 2026، تمهيداً للإعلان الرسمي عن افتتاح هذا الصرح العلمي الذي طال انتظاره.
ونشأت فكرة الجامعة الكردية الدولية من السياق العام المتعلق بتزايد المبادرات التعليمية والثقافية الكردية، خاصةً في روج آفا، حيث بدأت المدارس الكردية تنمو وتؤسس لوعي تعليمي جديد، ومن هذا الزخم الثقافي والتعليمي، ولدت الحاجة إلى إنشاء مؤسسة أكاديمية عليا تواكب هذه الطفرة، وتعمل على تدويل اللغة والثقافة الكردية.
وفي هذا السياق، تحدث رئيس المنتدى الألماني الكردي ورئيس مجلس إدارة الجامعة الكردية الدولية في أوروبا “يونس بهرام” لصحيفتنا “روناهي”: “إن تأسيس جامعة كردية خارج كردستان لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل نتيجة شعور متزايد بالحاجة إلى مؤسسة علمية تحتضن الهوية والثقافة الكردية، وتربطها بالعالم الأكاديمي الدولي، وخاصة في الدول الأوروبية التي يعيش فيها ملايين الكرد”.
ورغم أن الجامعة تحمل اسماً وهوية كردية واضحة، إلا أنها مؤسسة تعليمية ألمانية، فهي تخضع بالكامل للقوانين الألمانية، وتسير وفق المعايير الأكاديمية والإدارية المعتمدة في ألمانيا، وقد تم عرض المناهج الدراسية المقترحة على الجهات الرسمية المختصة للحصول على الاعتماد المطلوب، وجاءت الموافقة بعد مراجعات دقيقة.
وقد أكد “بهرام”، إن الحصول على القبول من وزارة التعليم الألمانية لم يكن بالصعوبة التي يُتوقعها البعض، بل إن التحدي الأكبر تمثّل في بناء فريق مؤهل يمتلك الإرادة والخبرة والكفاءة الإدارية والعلمية لإطلاق جامعة بهذا الحجم والطموح.
ومن المرتقب أن تضم الجامعة كليات وأقساماً عدة، تعكس التنوع المعرفي وتلبي حاجة الطلبة الكرد والألمان وغيرهم، وتشمل الأقسام المزمع افتتاحها، قسم الكردولوجي (الدراسات الكردية) ليكون مركزاً بحثياً لدراسة التاريخ واللغة والثقافة الكردية، وكلية “الآداب وعلم الاجتماع” لمقاربة القضايا الإنسانية والاجتماعية في ضوء التجارب الكردية والعالمية، وقسم “الفلسفة” لتعميق البعد النقدي والفكري لدى الطلبة، و”علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي” مسايرة للتطور العلمي والتقني، وكلية “الهندسة” لتقديم تعليم تقني يواكب متطلبات السوق الأوروبية والعالمية.
ومنذ الإعلان غير الرسمي عن المشروع، لاقى تأسيس الجامعة صدىً إيجابياً واسعاً في الأوساط الكردية داخل وخارج كردستان، وتشير المعطيات التي ترصدها إدارة المشروع من خلال الإنترنت، ووسائل التواصل الافتراضي، والاتصالات الهاتفية، والرسائل الإلكترونية، إلى أن فكرة الجامعة قد وصلت فعلياً إلى كل بيت كردي، سواء في روجهلات، وباكور، وروج آفا، وباشور كردستان، أو حتى في صفوف الجاليات الكردية في أوروبا، وأمريكا، وأستراليا.
حاضنة الهوية وحوار الثقافات
وأضاف بهرام: “اللافت هو الحماس الكبير الذي يبديه الأساتذة والأكاديميون الكرد في الداخل والخارج، ممن أبدوا استعدادهم للتطوع أو المساهمة في تطوير الجامعة علمياً وأكاديمياً”.
ويمثل المشروع إضافة نوعية ليس فقط للثقافة الكردية، بل للثقافة الألمانية أيضاً، ففي بلد يحتضن أكثر من مليوني كردي، تأتي هذه الجامعة خطوة في اتجاه التفاعل والتكامل الحضاري، حيث تشكل الثقافة الكردية “حجرة موزاييك” جديدة في المشهد الثقافي الألماني متعدد الألوان.
كما أن هذه المبادرة تسد فراغاً أكاديمياً بقي قائماً لعقود، حيث تفتقر الجاليات الكردية في الخارج إلى مؤسسات تعليمية عليا تعبر عن هويتها وتلبي طموحاتها.
واختتم رئيس المنتدى الألماني الكردي ورئيس مجلس إدارة الجامعة الكردية الدولية في أوروبا “يونس بهرام” حديثه: “يسير المشروع بخطوات محسوبة وثابتة، ونتطلع إلى اليوم الذي تفتح فيه أبوابها للطلبة الكرد وغيرهم من أنحاء العالم، ليكون هذا الصرح منبراً للعلم، والتفاعل الثقافي، والحوار الحضاري، والتعريف بالقضية الكردية ضمن سياق أكاديمي عالمي.”
يذكر، أنه لأول مرة، سيكون للكرد جامعة دولية تعكس صورتهم الحقيقية، وتجمع بين هويتهم العريقة والمعرفة الحديثة.