صلاح الدين مسلم
رغم التحولات الجذرية التي شهدتها الساحة السورية خلال زيارة الشرع للسعودية في الرابع عشر من الشهر الماضي، والذي أعلن فيه تسليم الملف السوري للسعودية، بطريقة لبقة دبلوماسية كعادات الدول على الإعلام، لا يزال الرئيس التركي أردوغان يرفض الإقرار بأن القرار السوري لم يعد بيد أنقرة. فالمماطلة المستمرة من قبل الدولة التركية لا تعبّر فقط عن موقف متصلّب تجاه الأزمة السورية، بل تهدف – في جوهرها – إلى إضعاف الطرف الكردي قبل الجلوس على طاولة المفاوضات.
إنّ أي مراوغة أو تأخير في عملية السلام الكردي – التركي لا تصب في مصلحة أردوغان، بل تمهّد لفقدان تركيا زمام المبادرة في منطقة تشهد تغيرات استراتيجية متسارعة.
من اللافت إنّ الطرف الكردي، برغم عقود من العداء والاضطهاد، لا يزال يبدي استعداداً للجلوس مع من يُصنّفون “خصوماً تاريخيين” في قرن الدولة القومية، في سلوك يُعبّر عن مستوى رفيع من النضج السياسي والثقافي، إلّا أنّ الكردي اليوم ليس كما الأمس؛ فقد تجاوز دور الضحية، وأصبح فاعلاً واعياً ومتفوقاً في تفكيك شبكات الخداع الإقليمي والدولي. إنّ هذا التحول في الشخصية الكردية لم يعد يسمح بتكرار السيناريوهات السابقة التي كانت تجهض كل محاولة للتفاوض الحقيقي.
في المشهد السوري الداخلي، يظهر واضحاً أن ما يجري ليس سوى تأخير ممنهج في إبرام أي اتفاق جاد بين الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا والحكومة السورية المؤقتة، وهذا التأخير يخدم أطرافاً إقليمية ودولية لا مصلحة لها في استقرار سوريا أو حل القضية الكردية، إذ أن كثيراً من الدول – وأوروبا تحديداً – قد بنت استراتيجياتها السياسية والاقتصادية خلال القرن الماضي على استثمار تناقضات هذه القضية.
وتتجلى هذه المفارقة في خطاب بعض المحللين الغربيين، حيث نُقل عن أحد إعلاميي “سكاي نيوز” قوله إن “السلام سيقسّم تركيا”، وكأن الحروب هي التي توحّد الدول، لا السلام. إن حل القضية الكردية في تركيا سيكون له أثرٌ عالمي، لأنه يُنهي ذرائع طالما استخدمتها بعض القوى لتصوير الكرد كتهديد، ولابتزاز الدول المعنية بملفهم.
أما من جهة النظام السوري، فإن فشل الرئيس السوري السابق بشار الأسد في تطبيق الديمقراطية منذ بدايات الأزمة ساهم في تفكيك بنية الدولة السورية، وأتاح تدخلاً دولياً واسعاً. ولو اعتمد نظام دمشق نهج الإصلاح الجاد، لما استطاعت أي قوة خارجية زعزعته. ويبدو أن الخيار المتاح أمام رئيس سلطة دمشق الجديدة هو أن تتعلم من دروس الماضي وتحافظ على مقومات الشرعية من خلال الانفتاح على كافة مكونات المجتمع.
خلاصة القول: لا يسعى الكرد اليوم إلى السلطة أو السيطرة، بل إلى تحرر شامل: فكري، ثقافي، سياسي، واجتماعي، يضع حداً لقرون من الإقصاء والتهميش، ويُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والشعوب على أسس العدالة والكرامة المتبادلة.