أكرم بركات
تمضي الإدارة الذاتية الديمقراطية بخطواتٍ ثابتة ومدروسة، واضعة نُصب أعينها دمقرطة سوريا والنهوض بها من مستنقع الأزمة المستمرة، عبر إشراك جميع السوريين في تشكيل مستقبل البلاد، ورغم التحديات الجسيمة، بما في ذلك الهجمات المنظمة والحرب الخاصة التي تقودها أجهزة استخباراتية إقليمية، وعلى رأسها تركيا، تبقى الإدارة الذاتية طرفًا فاعلًا في المشهدِ السياسي السوري.
في الأول من حزيران اجتمع وفد إقليم شمال وشرق سوريا بوفد سلطة دمشق في العاصمة السوريّة دمشق، ويعدُّ أول وفد رسمي يمثل كافة شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، وسبقه اجتماع بين المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية في الأول من نيسان، والذي صدر عنه 14 بنداً، وقبلهما اتفاقية 10 آذار بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ورئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، ضم بنود ثمانية بنود.
في المشهد العام لتقييم الاجتماعات والاتفاقات التي تتم بين مسؤولي إقليم شمال وشرق سوريا وسلطة دمشق، ظاهرياً يبدو أن هناك تطوراً في العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية الديمقراطية، حيث تم عقد عدة اتفاقيات تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتفاهم بين الطرفين. ولكن؛ في العمق وعند تحليل هذه الاتفاقيات وربطها ببعضها نجد أنها تشكّل إطاراً متكاملاً لمعالجة القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية والديمقراطية في سوريا عموماً بقيادة مسؤولو إقليم شمال وشرق وسوريا، وفقاً للمراحل المختلفة.
كما تمثل الاتفاقيات المُبرمة بين الإدارة الذاتية الديمقراطية وسلطة دمشق تطورًا مهمًا في المشهد السوري، حيث تسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وضمان حقوق جميع السوريين في ظل إطار وطني موحد. الاتفاقيات الثلاثة (10 آذار، 1 نيسان، و1 حزيران) تؤكد على أهمية الحوار والتوافق بين مختلف الأطراف السورية لمواجهة التحديات الراهنة، والنهوض بسوريا.
هذه الاتفاقيات تمت نتيجة القوى الفكرية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تمتلكها الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، حيث تحولت الإدارة نتيجة عملها المضني إلى حجر أساس لبناء سوريا الجديدة ولا يمكن تهميشها مطلقاً.
اتفاقية 10 آذار، ركزت على ضمان الحقوق السياسية والمدنية لجميع السوريين، والاعتراف بالمجتمع الكردي كجزءٍ أصيل من الدولة، ووقف إطلاق النار، وإشراك المؤسسات المدنية والعسكرية، واتفاقية الأول من نيسان، تناولت الوضع الإداري والأمني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود، وأكدت على ضرورة تحقيق التعايش السلمي وتنظيم المؤسسات الأمنية والمدنية، واجتماع الأول من حزيران، كان بمثابة خطوة تنفيذية لدعم الاتفاقيات السابقة، حيث شُكلت لجان لمتابعة تنفيذ اتفاق 10 آذار، إلى جانب بحث ملفات حساسة مثل الامتحانات وعودة المهجرين.
يعكس اجتماع الأول من حزيران إرادة سياسية راسخة لدى مسؤولي إقليم شمال وشرق سوريا في تنفيذ الاتفاقات السابقة، رغم المماطلات المتكررة من سلطة دمشق، التي تعد انعكاسًا للعقلية التي تمثلها، إضافةً إلى تدخّلات بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا. كما يؤكد الاجتماع نهج الإدارة الذاتية الديمقراطية في تبني الحلول السلمية بعيدًا عن التصعيد، مع التشديد على ضرورة إشراك جميع السوريين في هذه المرحلة الحاسمة، علاوةً على ذلك، يعزز الاجتماع أهمية إشراك المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في إطار التعاون مع الدولة السورية.
إذا تم تنفيذ هذه الاتفاقيات بشكلٍ كامل، فقد يكون هناك تحسن في العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية، مما يقلل التوتر السياسي والعسكري في المنطقة، حيث تحمل تأثيرات جوهرية على مستقبل سوريا، ويمكن تحليلها من عدة جوانب:
على صعيد الاستقرار السياسي والأمني، تمثل هذه الاتفاقيات خطوةً نحو تقليل التوتر بين دمشق والإدارة الذاتية الديمقراطية، مما قد يساهم في خفض النزاعات المسلحة وخلق بيئة أكثر استقراراً. إذا تم تنفيذ البنود المتعلقة بإشراك المؤسسات المدنية والعسكرية بشكل فعّال، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز سيادة الدولة السورية وتقليل فرص حدوث نزاعات جديدة.
أما بالنسبة لتأثيرها على وحدة الأراضي السورية، الاتفاقيات، خاصةً اتفاق 10 آذار، تؤكد على رفض التقسيم والعمل ضمن إطار الدولة السورية، مما يدعم مفهوم وحدة الأراضي، وهذه الاتفاقيات قد تؤثر على موقف الفاعلين الدوليين في سوريا. إذا نجحت دمشق والإدارة الذاتية في تثبيت تفاهم طويل الأمد، فقد يقلل ذلك من التدخلات الخارجية، بينما إذا حدثت انتكاسات فقد تؤدي إلى تعقيدات جديدة في المشهد الإقليمي.
هذه الاتفاقيات تشير إلى رغبة في إشراك الشعب الكردي وباقي الشعوب السورية في الهيكل السياسي السوري وضمان حقوقها، مما قد يكون عاملاً مهماً في تعزيز التعايش المشترك، لكن مدى التزام الحكومة المركزية بهذه البنود سيكون عنصراً حاسماً في نجاح الاتفاق.
الخلاصة؛ رغم المماطلات المستمرة من سلطة دمشق، والتدخّلات الإقليمية التي تقودها تركيا وغيرها من الجهات، تبقى الإدارة الذاتية الديمقراطية لاعبًا أساسيًا في صياغة مستقبل سوريا. وإذا أرادت دمشق الاحتفاظ بدورها القيادي في البلاد، فلا بد لها من الاعتراف بفلسفة ونهج الإدارة الذاتية الديمقراطية، التي أثبتت أنها النموذج القادر على تحقيق الاستقرار والانتقال السياسي المنشود.