رامان آزاد
ملف الأجانب الذين انضموا إلى هيئة تحرير الشام خلال الأزمة السورية من أكثر القضايا المعقدة التي تعرقل مسار التقارب مع الغرب منذ الإطاحة بالنظام السوريّ، وكانت واشنطن حتى أوائل أيار الماضي تشترط استبعاد المسلحين الأجانب. ولكن؛ نهج واشنطن تجاه سوريا تغيّر جذرياً منذ جولة ترامب الشرق أوسطيّة الشهر الماضي. فأعلن من الرياض وقف العقوبات المفروضة على سوريا، والتقى الرئيس الانتقالي لسلطة دمشق أحمد الشرع، وعيّن صديقه المقرّب توماس باراك، مبعوثاً خاصاً له إلى سوريا والذي أعلن قبول دمج الأجانب في الجيش السوريّ.
موافقة أمريكية بدمج الأجانب بالجيش السوريّ
كشفت وكالة “رويترز” الإثنين 2/6/2025، نقلاً عن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، أنّ واشنطن وافقت على خطة سورية جديدة تقضي بدمج مسلحين متشددين سابقين ضمن صفوف الجيش السوري. وحسب الوكالة، فقد أكد مسؤولون عسكريون سوريون أنّ الخطة تشمل انضمام نحو 3500 مسلح أجنبيّ، أغلبهم من شعب الإيغور المسلم القادم من الصين، إلى وحدة عسكريّة حديثة التشكيل. وهي الفرقة 84 من الجيش السوري، والتي ستضم سوريين أيضاً، مشيرة إلى أنّ الشرع حاول إقناع دول غربية بأنّ ضم المسلحين الأجانب أقل خطورة من التخلي عنهم.
وعندما سألته رويترز في دمشق عما إذا كانت واشنطن وافقت على دمج المسلحين الأجانب في الجيش السوري الجديد، قال توماس باراك السفير الأمريكي لدى تركيا والذي تم تعيينه مبعوثاً خاصاً لترامب إلى سوريا الشهر الماضي: “أود أن أقول إن هناك تفاهماً وشفافية”. وأضاف: “من الأفضل إبقاء المسلحين، وكثير منهم “موالون للغاية” لسلطة دمشق الجديدة، في مشروع الدولة بدلاً من استبعادهم”.
وفيما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكيّ في سوريا، كشف باراك توجهاً لتقليص عدد القواعد العسكرية الأمريكيّة فيها، موضحاً أنه “من ثماني قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط”.
وأشار باراك، خلال مقابلة مع قناة “NTV” التركية، إلى مستقبل الوجود العسكري الأمريكيّ، والدعم المقدم لـ«قوات سوريا الديمقراطية”. ولفت باراك إلى أن “سياساتنا الحالية تجاه سوريا لن تشبه السياسات خلال المائة عام الماضية؛ لأن تلك السياسات لم تنجح”.
وحول الدعم الأمريكيّ لـ”قسد”، أوضح أن “قسد هي حليف لنا، والدعم المقدم لها هو دعم لحليف، وهذا أمر مهم جداً للكونغرس الأمريكيّ”. وأضاف: “يجب توجيه هذا الدعم نحو دمجهم في جيش سوريا الجديد المستقبلي”.
مخاوف من الانقلاب
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكيّة في 31/5/2025 تقريراً مطوّلاً عن التحدي الذي يواجهه رئيس سلطة دمشق الانتقاليّة أحمد الشرع المتمثل بوجود مسلحين أجانب كانوا قد ساعدوه في الإطاحة بالنظام السوريّ. وحذرت الصحيفة من أنّ هؤلاء المسلحين الذين قدِموا من مناطق بعيدة مثل أوروبا وآسيا الوسطى للانضمام إلى الثورة، يشكلون تحدياً عميقاً لمستقبله السياسيّ.
وقد عيّن الشرع بعض الأجانب في مناصب عليا في وزارة الدفاع، واقترح تجنيس عديد منهم من ضباط الصف والجنود، بيد أنّ إدارة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب تشترط طرد المسلحين الأجانب لتخفيف العقوبات التي شلّت الاقتصاد السوريّ.
ويقول جيروم دريفون المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدوليّة إنّ سلطة دمشق حاولت عزلهم، لكنها تواجه مشكلة حقيقيّة في تنفيذ المطلب الأمريكيّ، وتحديداً في تعريف من هم “الإرهابيون”، وحتى إذا تم طردهم؛ فإنّ بلدانهم لا تريد عودتهم.
ووفقاً لجماعات الرصد التي تراقب الأوضاع في سوريا، فإنّ المسلح
ين الذين شاركوا في هجوم دمويّ قبل شهرين على المجتمعات الساحليّة السوريّة، وقتلوا مئات من أبناء الطائفة العلوية، كانوا من المسلحين الأجانب، وتهدد هذه التوترات الطائفيّة بزعزعة استقرار المرحلة الانتقاليّة الهشة.
وأفادت واشنطن بوست بأن الأكثر تشدداً من بين المسلحين الأجانب بدؤوا يصبون جام غضبهم على “رفيق سلاحهم السابق”، وذلك بسبب عدم فرضه الشريعة الإسلاميّة في سوريا حتى الآن، ويزعمون أنه يتعاون مع الولايات المتحدة والجيش لاستهداف المجموعات المتطرفة.
ونقلت الصحيفة عن مسلح أوروبيّ تحدث في مقابلة أُجريت معه في مدينة إدلب شرط عدم كشف هويته، قوله إنّ “الجولانيّ يهاجمنا من الأرض، وأمريكا من السماء”، واستخدم الاسم الحركيّ السابق لأحمد الشرع.
وذكرت الصحيفة الأمريكيّة أنّ عشرات آلاف الأجانب تدفقوا إلى سوريا والعراق المجاور على مدى العقدين الماضيين للقتال إلى جانب الثوار السوريين خلال الحرب التي استمرت زهاء 14 عاماً. وانضم عديد منهم إلى مجموعات متطرفة مثل “داعش” فيما التحق آخرون بفصائل أقل تطرفاً.
في 23/4/2025، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيّة، إنّ من نقاط الخلاف في المفاوضات الجارية بشأن العقوبات هي مصير آلاف المسلحين الأجانب الذين ساعدوا في إسقاط نظام الأسد. وقد عُيّن بعضهم في مناصب في الحكومة الجديدة التي يقودها المتمردون.
وقد ضغط المسؤولون الغربيون على الشرع لإبعاد هؤلاء المسلحين ــ الذين يميلون إلى تبني آراء أكثر تطرفاً من هيئة تحرير الشام ــ من المناصب الحكومية شرطاً لتخفيف العقوبات التي تشتد الحاجة إليها. ولكن الشرع يحتاج للموازنة بين هذا المطلب والحاجة إلى استرضاء المسلحين لمنعهم من حمل السلاح ضد حكمه أو تنفيذ عمليات قتل انتقاميّة في أنحاء البلاد.
وفي المقابلة، اقترح الشرع أنّ حكومته ستنظر في منح الجنسية السوريّة للمسلحين الأجانب الذين عاشوا في البلاد سنوات عديدة و”الذين وقفوا إلى جانب الثورة”. ولكن هذا العرض قد يُثير مخاوف الدول الغربيّة من أن تصبح سوريا ملاذاً للمتطرفين. وقد سعى الشرع إلى تهدئة هذه المخاوف، متعهداً بمنع استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة أجنبية.
منح الرتب أولى خطوات الدمج
كان قرار منح الرتب العسكريّة لبعض المسلحين الأجانب في 28/12/2024 أولى خطوات دمجهم في مجتمع السوريّ وتوطينهم، وكان هؤلاء جزءاً من القيادة العليا لهيئة تحرير الشام، وأثارت تعيينات الأجانب في مناصب عسكرية تساؤلات بشأن توجهات الإدارة سلطة دمشق الجديدة، خاصة في ظل مخاوف دوليّة من تأثير وجود مسلحين أجانب وعرب في الجيش على استقرار المنطقة. وأصبحت المطالبات بتجميد التعيينات وطرد المسلحين الأجانب نقطة خلاف رئيسية مع واشنطن ودول غربية أخرى.
أبرز الأسماء غير السوريّة التي تمت منحها رتبة العسكريّة هو عبد الرحمن حسين الخطيب، والذي مُنح رتبة لواء، وهي رتبة توازي رتبة وزير الدفاع نفسه. ويعرف الخطيب باسم “أبو حسين الأردني”، وهو من أصل فلسطيني، وهو أحد الشخصيات العسكرية في سوريا منذ عام 2013 وخريج كلية الطب من الجامعة الأردنيّة. وهو شخصية سلفيّة جهاديّة، ومقرب من أحمد الشرع منذ كان قائد هيئة تحرير الشام. وتولى الخطيب مسؤولية الإشراف على حل النزاعات بين المجموعات المرتزقة وشغل منصباً في المجلس العسكريّ للهيئة. وشملت الترقيات الجديدة من الرتب العالية:
ــ عبد العزيز داود خدابردي (أبو محمد التركستاني) من تركستان.
ــ عمر محمد جفتشي (مختار التركي) من تركيا ــ رتبة لواء
ــ عبدل صمريز يشاري من ألبانيا ــ رتبة عقيد
ــ مولان تيرسون عبد الصمد من طاجيكستان ــ رتبة عقيد
ــ علاء محمد عبد الباقي من مصر ــ رتبة عقيد
ــ إبنيان أحمد حريري من الأردن ــ رتبة عقيد
مُنح “أبو محمد التركستانيّ”، رتبة عميد، يقود الفرقة 133 في الجيش السوري الجديد، لكن وزارة الدفاع لم تأذن بإضافة المسلحين الأجانب إلى تعداد الفرقة، وفضلت التروي حتى حلّ قضية المسلحين الأجانب مع الأطراف الدوليّة ذات الصلة.
وتضمنت لائحة الرتب العسكريّة أسماء غير سوريّة بعضها عربيّ والآخر أجنبيّ، وشملت أسماءً لم يكونوا ضباطاً بالأصل، والقول إنّهم اكتسبوا خبرة عسكريّة وشرعيّة ثوريّة خلال سنوات الحرب فيه نظر. ولن يُسقط الانتقاداتِ بوجودِ من ستة إلى ثمانية آلاف ضابط سوريّ منشق، تم استبعادهم، بينهم أكاديميون وأصحاب مؤهلات متقدمة. كما ينطوي القرار على شيء الاستعجال وكأنّه يُراد فرض واقع جديد وحجز مواقع قياديّة لصالح لونٍ أو فئةٍ محددةٍ.
الترقية العسكريّة هي انتقال من رتبة أدنى إلى أخرى أعلى، ولكن 80% ممن شملهم القرار مدنيون وليسوا ضباطاً، وبالتالي؛ فإن ما حدث منحٌ للرتب، وليس ترقية عسكريّة، وقد أثار منح رتب عسكرية لمسلحين أجانب من جنسيات مختلفة، (أردني، ومصري، وألباني، وتركستاني، وطاجيكي)، السؤال حول تجنيس المسلحين الأجانب. كما أنّ ضم مسلحون أجانب
ومنح رتبٍ لغير العسكريين يُفقد الجيش عامل الانسجام والتوافق، ويتعارض مع مبدأ التراتبيّة العسكريّة الذي يقوم على عامل الخبرة والمؤهلات ويعدُّ أساسَ الانضباط العسكريّ.
وفي خطوة يمكن وصفها بالتمهيدية قال “الشرع”، في 19/12/2024 “إنّ المسلحين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف ما المعارضة المسلحة “يستحقون المكافأة”، إذ ساعدوا في الإطاحة بنظام بشار الأسد”. جاء ذلك في تصريح للصحفيين في مقر مجلس الوزراء، وأضاف “إذا أخذنا في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا في بلد آخر مدة سبع سنوات يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون أيديولوجية وقيم السوريين”. وقلل الشرع من أعدادهم مشدداً على أنّ الإعلام يبالغ في الأرقام، خاصة في ظل غياب سجلات دقيقة توثق الأعداد.
الإيغور هم الأكثر
أعلن عثمان بوغرا، المسؤول السياسي في الحزب الإسلامي التركستاني، في بيان مكتوب لرويترز إنّ الحزب حل نفسه رسميا وانضم إلى الجيش السوري. مشيراً إلى أنهم باتوا يعملون الآن تحت إشراف وزارة الدفاع السورية، ويلتزمون بالسياسات الوطنية. ولا ترتبط بأية جهات أو مجموعات خارجية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: “إن الصين تأمل أن تتصدى سوريا لأشكال الإرهاب والقوى المتطرفة استجابة لمخاوف المجتمع الدولي”.
ينحدر المسلحون الإيغور من إقليم شينجيانغ وهم أعضاء في الحزب الإسلامي التركستانيّ (TIP)، يتحدث أفراده اللغة الإيغوريّة، وهو حركة جهاديّة تصنّفها بكين تنظيماً إرهابياً، وتسعى إلى تقييد نفوذ الجماعة وتخشى عودتهم من سوريا بعد سنوات طويلة من الانخراط في الصراع المسلح. وسوريا هي الساحة الثانية للحزب الإسلاميّ التركستانيّ بعد أفغانستان.
في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكيّة في 4/4/2025، قالت: على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، شقَّ آلاف الأويغور طريقهم إلى سوريا من الصين عبر تركيا. واليوم، يقول قادة الإيغور في سوريا إنّ عددهم يبلغ نحو 15 ألف شخص، بينهم خمسة آلاف مقاتل. يعيش معظمهم في مدينة إدلب أو في جيوب قرب مدينة جسر الشغور. وقد افتتح “التركستان”، كما يسميهم كثير من السوريين، مدارس وأداروا محطات وقود ومطاعم، وأشارت الصحيفة إلى أّن الحرب في سوريا كلفت الإيغور نحو 1100 قتيل. وكان زعيم الحزب أبو محمد التركستاني ظهر خلال أحداث الساحل السوري في آذار الماضي على طريق اللاذقية ـ طرطوس إلى جانب عشرات المسلحين الإيغور، لكن وزارة الدفاع السورية أبعدتهم عن المنطقة خشية تورطهم في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، وطلبت منهم الانتشار على الطريق الواصل بين حمص وطرطوس لضبط الحدود ومنع عمليات تهريب السلاح والمخدرات.
ونقلت وكالة نورث برس في 22/3/2023، عن مصادر خاصة من مكتب المسلحين الأجانب أّنَّ عددَ المسلحين من جنسيات غير سورية “يتجاوز 7500 مسلح” في إدلب، تحت راية أو موالين لهيئة تحرير الشام، “بينهم ٦٢٠٠ تقريباً من الإيغور والقوقاز والطاجيك والشيشان والداغستان، وهم رأس الحربة القتاليّة على جبهات مناطق سيطرة سلطة دمشق، بينما الأجانب العرب وأكثرهم من شمال أفريقيا يشغلون مناصب إداريّة وأمنيّة وعسكريّة”.
أما المسلحون الأجانب الذين تركوا الهيئة ورفضوا موالاتها في القتال أو حتى بالفكر، فأعدادهم خارج الإحصاءات الرسمية، ويقيمون مع عائلاتهم ضمن بلدتي الفوعة وكفريا وسرمين بريف إدلب الشمالي الشرقي، وأيضا في منطقة أريحا وجسر الشغور وقرى متفرقة، وتحتوي سجون الهيئة على ٣٤٠ منهم، حسب المصدر ذاته، بتهم الانتماء لـ”داعش” أو عمالة خارجية.
اكتسب المسلحون الأجانب في هيئة تحرير الشام سمعة العناصر المخلصين والمنضبطين وذوي الخبرة، وشكّلوا العمود الفقريّ في الوحدات النخبويّة والمجموعات الانتحاريّة، وانضم بعضهم إلى “داعش” وتوزع آخرون في أجنحة مختلفة من تنظيم القاعدة وتحديداً جبهة النصرة والتي تحولت إلى جبهة فتح الشام ومن بعدها هيئة تحرير الشام، وبرز دور الإيغور في تحقيق مكاسب لجبهة النصرة وجيش الفتح في إدلب في آذار 2015 والسيطرة على مطار أبو الظهور العسكريّ بريف إدلب في أيلول 2015.
ونظراً للسنوات الطويلة التي خاض خلالها المسلحون الأجانب القتال إلى جانب “هيئة تحرير الشام”، فإنّ أيّ تخلٍّ أو إبعاد لهم سينظر إليه الإيغور وسائر الجهاديين على أنه نكث بالعهد وانقلاب، وستكون له تداعيات خطرة، ما جعل سلطة دمشق أمام خيارات محرجة ما بين التوافق مع الغرب أو مواجهة شركاء الأمس، لتطرحَ فكرةَ دمجهم في الجيش السوريّ القادم.