هيفيدار خالد
تشهد سوريا يومياً حالات من الثأر والانفلات الأمني، إلى جانب تزايد جرائم القتل، وبشكل خاص تلك التي تستهدف النساء والفتيات، في معظم المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة سلطة دمشق. ومن خلال متابعة التطورات ورصد الأوضاع في الداخل السوري، يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيد من التدهور، في ظل تصاعد وتيرة الجرائم بحق النساء، واستمرار حوادث الخطف من دون محاسبة مرتكبيها، ومن دون تنفيذ السلطة للوعود التي قطعتها بحماية المواطنين من العنف والانتهاكات المتكررة التي يتعرضون لها يومياً بلا رادع أو مساءلة.
تتعرض المرأة السورية اليوم لانتهاكات جسيمة على يد الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة دمشق، حيث يُفرض عليها الحجاب الإجباري في بعض المدن بين الحين والآخر. كما تُسن قوانين مجحفة بحقها، وتحرم من التعليم في كثير من الأحيان، نتيجة للخطابات والممارسات الطائفية التي تواجهها، ولا سيما المرأة العلوية التي تتعرض لانتهاكات مروّعة وجرائم ممنهجة.
إن هذا الواقع يستدعي تحركاً سريعاً وفورياً لوضع حد لهذه الجرائم، التي ترقى إلى مستوى المجازر بحق النساء. على المنظمات النسوية والحقوقية، الإقليمية والدولية، أن تتحمل مسؤولياتها إزاء ما تتعرض له النساء السوريات من ممارسات غير أخلاقية، تنتهج أساليب قمعية شبيهة بتلك التي تتبعها حركة طالبان، والتي ترى في المرأة تهديداً لتشريعاتها.
ومنذ أن أحكمت هيئة تحرير الشام قبضتها على مفاصل السلطة في دمشق، تدهورت أوضاع النساء بشكل حاد نتيجة السياسات الإقصائية المتبعة ضدهن في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية، حتى بدا وكأن المرأة قد شُطبت تماماً من المشهد العام، وحُرمت من أبسط حقوقها، وصارت تواجه تحديات جسيمة على كل الصعد.
إن الذهنية الذكورية المهيمنة على السلطة الحاكمة تقصي دور المرأة الريادي في المجتمع، وتسعى، من خلال إجراءاتها التعسفية، إلى كسر إرادتها واستهداف جهودها في بناء المجتمع وتطويره. فالمرأة تُدفع إلى البقاء حبيسة المنزل، وأسيرة قوانين جائرة لا تعترف بكيانها، ولا بروحها، ولا بفكرها، ولا بعطائها.
إن استهداف المرأة يعني استهداف المجتمع بأسره؛ فهو ضرب لأمنه واستقراره ونسيجه الاجتماعي. من هنا، فإن من واجب الجميع العمل من أجل إنقاذ المرأة السورية، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسلطة دمشق، من المعاناة المستمرة التي تعيشها، والبحث عن حلول جذرية تضع حداً لهذا الواقع المأساوي. فالنساء يعشن في خوف دائم من آلة العنف التي تمارس ضدهن، وكأن السلطة الجديدة تسعى إلى بناء سوريا خالية من النساء، بلا حياة تنبض بطابع المرأة وتميزها المتفرد.
ولكي تتمكن المرأة السورية من العيش بأمان والوقوف في وجه العنف، لا بد من تنظيم الصفوف وتعزيز التكافل والتضامن، والعمل على ألا تُترك أي امرأة خارج إطار التنظيم المجتمعي والحقوقي. فكل امرأة تُترك وحدها ستكون عرضة للانتهاك والعنف. ومن هنا، يُطلب من الجميع أداء دور ريادي فعّال، وتوجيه ضربة قاضية للسياسات العدائية التي تستهدف النساء، ولو كان ذلك تحت أعين الكاميرات.
نعم، إن خلاص المرأة السورية من دوامة العنف والاعتداءات والموت، لا يكون إلا عبر نضال منظّم، قويّ، يعترف بإرادة النساء السوريات المتعطشات للحرية والعدالة والكرامة.