قامشلو/ دعاء يوسف – حين تتحرك ريشة الفنان محمد ملا أحمد فتبوح أسرار الوجع، وتنطق الألوان لغات لا يفهمها سوى القلب، فريشته لا تعرف حدود الزمان والمكان، فتجسد قضايا مجتمعه، محولاً الهمسات صدى يسمعه العالم، متحدياً الواقع، وأن الفن يستطيع أن يغير العالم.
إن الفنّ هو ذلك الجدار الذي نخطّ عليه وجعنا كيلا يبتلعنا، والمرايا التي نعيد بها تشكيل ذواتنا كلما تكسّرت تحت ثقل الواقع، إنه بحثٌ دائم عن الجمال وسط القبح، وعن النور وسط العتمة، والفنان محمد ملا أحمد لا يصنع الجمال فحسب، بل يكشف الحقيقة المغلّفة بالصمت، في عالم يزداد ضجيجاً، ويمنح العالم فرصةً أخرى للفهم، محولاً اللوحة سؤالاً مفتوحاً لا إجابة له سوى التأمل.
ملاحقة الحلم
فمنذ نعومة أظفاره، كان محمد ملا أحمد يلهو بالألوان والريشة دون أن يعلم أن قدره مرسوم على لوحة فنية ستتسع الزمن، وقد اكتشف والداه موهبته عندما كان في الرابعة من عمره، حين كان يتسلى بالرسم، ليلاحظا أن شيئاً ما يميّزه عن أقرانه، ولم يتأخرا في دعمه، وسرعان ما حصل على أول جائزة فنية من المتحف العلمي في لندن، لتكون تلك اللحظة الشرارة التي أشعلت حلمه بأن يصبح فناناً تشكيلياً.
هذا وقد نشأ أحمد في قامشلو وأكمل تعليمه فيها، وفي كل مرحلة دراسية، كان لأساتذته دور كبير في تشجيعه، خاصة في مادة الفنون، حتى أنه رُشّح ذات مرة ليظهر على غلاف مجلة أوروبية ممثلاً لأطفال سوريا، إلا أن عائلته رفضت الأمر حينها.
ورغم التحاقه بكلية الهندسة الزراعية، لم يستطع تجاهل نداء الفن، فعندما سمع بافتتاح كلية للفنون في مدينته، قرر ترك الهندسة، والالتحاق بكلية الفنون لتحقيق حلم الطفولة، رغم معارضة شديدة من عائلته. ومع ذلك، استمر في طريقه الفني، وبدأ اسمه يلمع تدريجياً من خلال مشاركاته في معارض جماعية محلية، حتى ظهرت أعماله في الصحف، والمجلات، والتلفاز.
ريشة تتحدى الحدود وتتجاوزها
محمد ملا أحمد لم يكن مجرد رسام، بل باحثاً عن التعبير، إذ ابتكر أسلوباً فنياً تعبيرياً خاصاً به، مستلهماً من ثقافته الكردية، وبدأ يحول الأغاني والقصائد إلى لوحات تشكيلية، ليجمع بين حاستي السمع والبصر، ويطرح من خلال أعماله مشكلات الإنسان النفسية والاجتماعية والفكرية، وتفاصيل معاناة مجتمعه.
هذا وقد شارك الفنان في عدد كبير من المعارض المحلية، من بينها مهرجان الثقافة والفن في إقليم شمال وشرق سوريا، ومهرجان ألحان الخريف، كما بيعت لوحاته كمقتنيات خاصة في ألمانيا، وسوريا، وباشور كردستان، وقد حصل خلال مسيرته على تكريمات عدة، من بينها تكريم من المتحف العلمي في لندن، ومن هيئة الثقافة، إلى جانب مراكز فنية مختلفة.
تأثر أحمد كثيراً بفناني العصور الوسطى مثل ليوناردو دافنشي ودوناتيلو، إذ وجد في أعمالهم دقة في التدرجات اللونية، وظلالاً تحاكي الغموض والإثارة، أما في الفنّ المعاصر، فقد كانت الفنانة العراقية الراحلة ليلى العطار مصدر إلهام كبير له، حيث يرى في أسلوبها التعبيري انعكاساً لذاته، ويستلهم من مسيرتها الحزينة قوة فنية خاصة.
المهارة تصنع فناناً
ونوه أحمد أن فناني الشرق الأوسط يواجهون العديد من التحديات، التي ذكر منها: “هناك الكثير من التحديات التي نواجهها مثل عدم وجود أستوديوهات خاصة لاستكمال الفنّ وقلة الأدوات الأساسية مما يجبرنا على طلبها أحياناً من الدول الأوربية وقلة المعارض وصالات العرض في الشرق الأوسط”. إلا أن أحمد يرى في التكنولوجيا وسيلة لكسر هذه الحواجز، حيث يقول: “عبر السوشيال ميديا تخطينا هذه العقبات، وبإمكان الفنان أن يصل بفنه إلى العالمية دون حدود”.
هذا وقد تطرق أحمد إلى أهمية الدراسة الأكاديمية في سقل موهبة الفنان: “أن الدراسة الأكاديمية مهمة جداً للفنان التشكيلي حيث ترشده على الطريق الصحيح ليستمر بفنه ويطوره بشكل ينافس الفنانين العالميين، ولكنها ليست كافية إن لم تكن هناك حالة ابداعية خلقت معه وتولد هذه الحالة مع الإنسان ولا يمكن تعلمها”.
يؤكد محمد ملا أحمد في ختام حديثه أنه استوحى الكثير من أفكار معجبيه، ومحبي الفن والفنانين التشكيليين الذي شارك معهم بالمعارض المشتركة وورشات العمل: “يحدث بيني وبين المتلقين والمهتمين بالفن العديد من الحوارات، والمناقشات التي تكون حافزي للاستمرار وأشعر بسرور عندما تصل رسالتي لهم”.