روناهي/ دير الزورـ يمثل الأرمن أمة ومجموعة عرقية أصيلة، تتخذ المرتفعات الأرمنية موطناً تاريخياً لها. ويبلغ عدد الأرمن حول العالم ما يقرب من ثمانية ملايين نسمة، ويتميزون بتراث ثقافي غني يمتد آلاف السنين، وينحدر الشعب الأرمني من العرق الآري (الهند أوروبي)، وقد أظهرت الدراسات الوراثية انتماءهم العميق لأرمينيا التاريخية، مع غياب علامات على حصول خلط وراثي كبير منذ نحو القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ما يؤكد أصالة وتفرد هذا الشعب العريق.
اللغة والدين
ويتحدث الأرمن لغات هندية أوروبية منذ القرن الخامس الميلادي، كما أوضحت الوثائق القديمة ونقش بهيستون الشهير، فدينياً تنتمي الكنيسة الأرمنية إلى عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، إلى جانب كنائس الأقباط والأحباش والسريان، وهو ما يربطهم بتراث مسيحي عريق في المنطقة.
قصة لجوء وصمود
والأرمن مواطنون سوريون من أصل أرمني بالكامل أو جزئيًا، وقد لعبت سوريا والمناطق المحيطة بها دور الملاذ الآمن لهم على مر التاريخ، خاصة خلال فترات الحروب والاضطهاد التي تعرضوا لها، أبرزها الإبادة الجماعية للأرمن في أوائل القرن العشرين. تقدر منظمات الشتات الأرمني أن هناك نحو 150 ألف أرمني في سوريا، يتمركز معظمهم في مدينة حلب، التي كانت ولا تزال مركزاً ثقافياً واقتصادياً حيوياً لهم.
وفي السياق، تحدثت “نوشيك سركيس” عن عادات وتقاليد الأرمن الراسخة، مشيرةً، إلى أنهم يحرصون بشدة على الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم التي تعكس هويتهم الفريدة. وقالت: “تعد الكنيسة هي المحور الأساسي للحياة الأرمنية، فيتم الاحتفال بالأعياد المسيحية بقدسية وطقوس خاصة، مثل عيد الميلاد الذي يحتفلون به في السادس من كانون الثاني، وعيد الفصح، بالإضافة إلى احتفالات شعبية مثل “فاردفار” (عيد رش الماء) الذي يمزج الطقوس الدينية والفرح الشعبي”.
وأوضحت نوشيك: “تتميز العائلة الأرمنية بترابطها الشديد، فيلعب كبار السن دوراً محورياً ويحظون باحترام كبير، لأن التجمعات العائلية والمجتمعية المتكررة، لا سيما في الأعياد والمناسبات، تعزز الروابط الاجتماعية وتضمن استمرارية التقاليد عبر الأجيال”.
وأشارت، إلى إن اللغة الأرمنية، بفصائلها المتعددة، هي قلب الهوية الأرمنية فيحرص الأرمن في الشتات على تعليم أبنائهم اللغة الأم في مدارسهم وكنائسهم لضمان استمرارية هذا الإرث الثقافي الغني، كما يتميزون بتراث فني عريق يشمل الموسيقا، الرقصات الفولكلورية، والحرف اليدوية مثل صناعة السجاد الأرمني الشهير والتطريز.
وزادت: “ويشكل المطبخ الأرمني جزءاً لا يتجزأ من هويتهم الثقافية، ويشتهر بتنوعه ونكهاته الغنية، متأثراً بالمطبخ المتوسطي والشرق أوسطي، مع لمسات خاصة بهم، حيث يشكل بعض الأطباق مثل اللحم بعجين (اللحماجون)، الدولما (المحاشي)، الهريسة، والبسطرمة (اللحم المقدد) جزء أساسي من موائدهم”.
واختتمت المواطنة من الشعب الأرمني “نوشيك سركيس”، حديثها، مؤكدةً، أنه على الرغم من فترات الاضطهاد والتهجير، أظهر الأرمن صموداً استثنائياً وقدرة في الحفاظ على هويتهم الثقافية، فقد ساهموا بشكل فعال في بناء المجتمعات التي استضافتهم، مقدمين إسهامات قيمة في مجالات الاقتصاد، والفن، والطب، والتعليم، ما يجعلهم شعباً حيوياً ومؤثراً في النسيج الاجتماعي لدول الشرق الأوسط.