الحسكة/ محمد حمود ـ في شوارع الحسكة النابضة بالحياة، حيث تمتزج أصوات الأسواق بألوان الملابس التقليدية والحديثة وروائح الطعام المنزلي وذاك الجاهز، يتشكل نسيج إنساني فريد يجمع بين الكرد والعرب في لوحة تعكس التآخي والصمود.
منذ تأسيس سوريا الحديثة، كان الكرد والعرب شركاء في بناء الوطن، يتقاسمون الأحلام والتحديات رغم سياسات الإقصاء التي حاولت طمس هويتهم الثقافية.
روح التآخي والقوة
ومع انطلاق مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، برز هذا التآخي قوة حياة، حيث وقف الشعبان جنبًا إلى جنب لمواجهة الإرهاب، ولإعادة بناء مجتمعهم، والحفاظ على تنوعهم الثقافي. ومن خلال أصوات أربعة من أبناء الحسكة، نستكشف إيجابيات هذا التآخي وضرورة استمراره لبناء سوريا الجديدة.
وفي ركن هادئ من الحسكة، كان يجلس المواطن “حميد حمه“، على مقعد في حديقة يطل على شارع مزدحم، يراقب الناس، حيث تحدث لصحيفتنا “روناهي” بعمق عن التآخي بين الكرد والعرب: “منذ عقود، والكرد والعرب في الحسكة يعيشون أخوة، يتقاسمون الحياة بتفاصيلها. والإدارة الذاتية أعطتنا فرصة لبناء نموذج يحترم هويتنا الكردية دون أن ينكر حقوق العرب. هذا التآخي ليس مجرد كلام، بل هو أساس استقرار المنطقة”.
وتابع بحماس: “فعندما واجهنا داعش، كان الكرد والعرب في قوات سوريا الديمقراطية يقاتلون جسداً واحداً، هذا التعاون أثبت أن وحدتنا هي قوتنا”.
وأضاف: “بعد سقوط نظام الأسد، يجب أن نعمل معًا لبناء سوريا جديدة تقوم على العدالة، والنظام اللامركزي هو الحل الأمثل، لأنه يضمن حقوق الكرد الثقافية والسياسية مع الحفاظ على وحدة سوريا، حيث يحاول المحتل التركي فرض أجنداته بهجماته على عفرين وسري كانيه، لكن وحدتنا ستبقى أقوى من أي محاولة للتقسيم”.
وفي زاوية أخرى من المدينة، كانت “أمينة حساني” تنظر إلى الأطفال وهم يلعبون، حيث تحدثت بثقة: “الكرد والعرب في الحسكة ليسوا مجرد جيران، بل هم أخوة تربطهم روابط إنسانية عميقة، الإدارة الذاتية سمحت لنا ببناء مجتمع يحترم التنوع، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء من النسيج الاجتماعي”.
وأضافت: “عندما حاربنا داعش، كان الكرد والعرب يتقاسمون المسؤولية في حماية الأرض والناس، هذا التضامن هو ما جعلنا نصمد أمام التحديات، اليوم، بعد زوال نظام البعث، يجب أن نعزز هذا التآخي من خلال حوار وطني يضمن حقوق الجميع، فسوريا الجديدة يجب أن تكون دولة ديمقراطية تحتضن الكرد والعرب على قدم المساواة، وسياسات تركيا التي تسعى إلى التغيير الديموغرافي في مناطق مثل عفرين تهدد هذا الحلم، لكننا لن نسمح لها بتمزيق وحدتنا”.
أما المواطنة “تركية سيدو“، والتي كانت تنظر إلى الأفق بعيون مليئة بالأمل، وصوتها يحمل عزيمة قوية: “الإدارة الذاتية أعادت للكرد كرامتهم بعد عقود من التهميش، لكنها لم تكن للكرد فقط، بل لشعوب المنطقة كافة، والكرد والعرب عملوا معًا لبناء مجتمع يحترم الجميع، وهذا جعل شمال وشرق سوريا نموذجًا للتعايش”.
وتابعت تركية: “عندما واجهنا هجمات تركيا على سري كانيه وكري سبي، أظهر الكرد والعرب تضامنًا لا يُنسى، هذا التآخي هو درعنا ضد محاولات التقسيم، فسوريا المستقبل يجب أن تكون دولة لا مركزية تحترم الهوية الكردية وتحتفي بتنوع العرب والآخرين، والمجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤوليته في الضغط على تركيا لوقف سياسات التهجير التي تهدف إلى تغيير ديموغرافية المنطقة، وحدتنا هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل مزدهر”.
وفي قلب سوق الحسكة النابض، كان يقف المواطن “حسن الهاشمي“، وسط حشد من الناس، حيث تحدث بحماس وهو ينظر إلى الوجوه المختلفة حوله: “السوق هنا يعكس روح الحسكة، حيث يلتقي الكرد والعرب في انسجام. والإدارة الذاتية وفرت استقرارًا جعلنا قادرين على العيش معًا رغم الحروب. هذا التعايش هو سر قوتنا”.
وأضاف: “عندما واجهنا التحديات، من داعش إلى التدخلات الخارجية، كان الكرد والعرب يعملان فريقاً واحداً. هذا التآخي يجب أن يكون أساس سوريا الجديدة. الكرد شركاء أساسيون في هذا الوطن، وحقوقهم يجب أن تُحترم، تركيا تحاول زرع الفرقة بسياساتها في عفرين وكري سبي، لكن وحدتنا ستبقى أقوى، يجب على المجتمع الدولي دعم نموذجنا الديمقراطي والضغط لوقف الانتهاكات التي تهدد استقرارنا”.فهذه الأصوات من الحسكة تعكس روح التآخي التي تجمع الكرد والعرب، الإدارة الذاتية ليست مجرد مشروع سياسي، بل تجربة إنسانية أعادت بناء الثقة بين الشعبين بعد عقود من التهميش.
ومنذ بداية الأزمة السورية في 2011، واجه الكرد والعرب تحديات مشتركة، من هجمات داعش إلى التدخلات الإقليمية، خاصة من تركيا التي سعت إلى تغيير ديموغرافية المنطقة عبر هجماتها على عفرين (2018) وسري كانيه، وكري سبي (2019). لكن هذا التآخي أثبت أنه أقوى من أي محاولة للتقسيم، كما قال حميد حمه: “نحن كالأشجار في غابة واحدة، كل شجرة لها جذورها، لكننا ننمو معًا”.واتفقت معه أمينة حساني: “سوريا الجديدة يجب أن تكون وطنًا يحتضن الجميع، دون تمييز”.
بينما أكدت تركية سيدو: “وحدتنا هي درعنا ضد من يحاولون تمزيقنا”.
فيما اختتم حسن الهاشمي: “معًا، يمكننا جعل الحسكة وسوريا رمزًا للتعايش”.
يذكر، أن التحديات لا تزال قائمة، وسياسات تركيا ومرتزقتها تهدد استقرار المنطقة بمحاولات التهجير والتغيير الديموغرافي. هنا يبرز دور المجتمع الدولي في الضغط لوقف هذه الانتهاكات وضمان حقوق الكرد ضمن إطار دولة سورية ديمقراطية.
وأخوة الكرد والعرب ليست مجرد إرث تاريخي، بل ضرورة حياتية لبناء مستقبل مشترك، فسوريا الجديدة تحتاج إلى نظام لا مركزي يحترم الخصوصيات الثقافية والقومية للجميع، ويضمن مشاركة فعالة للكرد والعرب على حد سواء.
وهذه الأصوات من الحسكة تحمل رسالة أمل وصمود، تدعو إلى بناء وطن يتسع للجميع، حيث يتشارك الكرد والعرب في صياغة مستقبل مزدهر، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا التآخي أن يكون الجسر الذي يقود سوريا إلى السلام؟ وتكمن الإجابة في إرادة أبناء المنطقة الذين يواصلون العمل معًا لبناء هذا الحلم.