ولات جامو
في جلسة نقاش عقدها الكونغرس الأميركي مؤخرًا، أدلى السيناتور ماركو روبيو، عضو لجنة العلاقات الخارجية، بتصريحاتٍ حاسمة بشأن المرحلة الانتقالية في سوريا، أبرز فيها الملامح العامة للموقف الأميركي، وخصوصًا فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، ودور الكرد، والموقف من السلطة الانتقالية في دمشق برئاسة أحمد الشرع. وقال روبيو: “الحكومة الانتقالية في دمشق ليس لديها القدرة الكافية لمواجهة داعش، والتنظيم يشكّل خطرًا جسيمًا عليها، لذلك يجب استمرار دور الولايات المتحدة وحلفائنا الكرد في هذه الفترة لضمان عدم نموه وانتشاره”.
وأوضح السيناتور أن القيادة المركزية الأميركية كان لها دور بارز في التوصّل إلى اتفاق أولي بين السلطات الكردية وتركيا، يُفترض أن يُتوَّج بانضمام الكرد إلى الحكومة الانتقالية في نهاية هذا العام.
تتطابق هذه التصريحات مع مواقف سابقة لعدد من المسؤولين الغربيين، من أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شدد على إن “قوات سوريا الديمقراطية صمّام أمان لا غنى عنه”، والأمين العام للأمم المتحدة الذي قال صراحة: “السلام في سوريا لن يتم من دون تمثيل عادل للكرد”.
بيّن روبيو وبولتون: الرسائل المتقاطعة
تأتي تصريحات روبيو هذه بعد مقال شديد اللهجة نشره مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون في “إندبندنت عربية”، انتقد فيه إعلان الرئيس “دونالد ترامب” رفع العقوبات عن دمشق دون أن يربطها بشروط واضحة تضمن تحول “هيئة تحرير الشام” الحاكمة حاليًا من مجموعات متطرفة إلى كيان سياسي مسؤول. وحدّد بولتون شروطًا صارمة يجب أن تفي بها حكومة الشرع، تشمل:
إنهاء العلاقة مع إيران و”حزب الله”، الكشف عن أرشيف نظام الأسد وسجل المختطفين، التخلي عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، التعاون الكامل مع قوات سوريا الديمقراطية، طرد الوجود الروسي من القواعد العسكرية.
القضية الكردية: لحظة مفصلية
إن تصريح روبيو بانضمام السلطات الكردية للحكومة الانتقالية نهاية العام الجاري، يُمثّل اختبارًا مزدوجًا:
- لصدق نوايا حكومة الشرع في قبول الشراكة الوطنية، بدل الاكتفاء بمظهر إصلاحي خارجي.
- ولوعي الكرد السياسي بضرورة الانخراط الحذر في العملية الانتقالية، دون التفريط بتجربتهم الذاتية ومكتسباتهم في الإدارة والتمثيل.
ويؤشر التنسيق الأميركي ـ التركي ـ الكردي، بحسب كلام روبيو، إلى بروز معادلة جديدة تتجاوز ثنائية “سلطة الحكومة والمعارضة غير المعلنة”، لتتجه نحو إنتاج نظام تشاركي متوازن، بشرط تحقيق معايير الشفافية والمسؤولية وعدم العودة إلى العقلية الأمنية أو الخطاب العقائدي.
ختامًا
سوريا اليوم أمام لحظة دقيقة لا تحتمل المواربة. تصريحات ماركو روبيو تمثّل صوت المؤسسة الأميركية العميقة، وتضع خطوطًا حمراء يجب أن تُؤخذ بجدية. إن أي اعتراف دولي بسلطة الشرع لن يكون ممكنًا ما لم يتحقق تحول جوهري في الخطاب والممارسة، وما لم يتم دمج الكرد كشركاء حقيقيين في صياغة مستقبل البلاد.
وفي الانتظار، الإدارة الذاتية، والقوات الأميركية والموقف الدولي في شمال وشرق سوريا بمثابة ميزان دقيق بين الفرصة والانهيار.