روناهي/ الرقة – في قاعة تزينت بلوحاتٍ فنية ونصوص شعرية، وبين وجوه قادمة من جهات الجغرافية السوريّة المتعددة، انطلق مهرجان “الفرات الأدبي” في الرقة، كأول فعالية أدبية من نوعها تجمع أدباء من مختلف المناطق السوريّة واستمر مدة ثلاثة أيام، تحت شعار: “حبر سوري لأجل السلام”، في محاولة لكسر جدران العزلة والانقسام التي فرضتها الحرب خلال العقد الأخير.
وشهدت قاعة المركز الثقافي في مدينة الرقة، يوم السبت 24 أيار الجاري، حضوراً لافتاً من كتّاب وشعراء، ورغم الطابع الأدبي للفعالية، بدا واضحاً إن المهرجان يحمل رسائل سياسية واجتماعية ضمنية، أبرزها: الدعوة إلى وحدة السوريين، والتركيز على الأدب كمساحة للسلام والتفاهم.
المنظمون وصفوا المهرجان بأنه “تجربة تأسيسية لأجندة ثقافية مستقبلية أكثر شمولاً، تهدف لإعادة بناء الثقة بين أبناء البلد الواحد”، مؤكدين إنه سيقام بشكلٍ دوري وبصيغ تشاركية بين المدن السوريّة المختلفة.
كأنني عدت إلى بيت العائلة
الكاتبة والأديبة الدمشقية فلك حصرية؛ عبّرت عن تأثرها العميق بهذه الزيارة الأولى إلى مدينة الرقة، ووصفت لحظة وصولها بأنها مفصلية: “أحببت التعرف على هذه المدينة الجميلة، والعيش مع أهلها في أجواءِ الفرح. الرقة ليست فقط مدينة، بل جزء غالي من سوريا، علينا أن نراه ونشعر به”.
وعن انطباعها العام عن الفعالية، قالت فلك حصرية: “رغم عناء السفر الطويل من دمشق، إلا أن الهدف يستحق العناء. المهرجان يُبشر بالخير، والمقدمة الجيدة تنتج دائماً ثماراً واعدة. لم نشعر إلا إننا بين أهلنا وأقاربنا، وكأن الحواجز قد زالت فور اللقاء الأول”.
قدمت فلك حصرية خلال المهرجان قصة أدبية بعنوان “زائر الفجر”، مستوحاة من قصة عنترة العبسي، بأسلوب معاصر ذي إسقاطات رمزية، ووصفت القصة بأنها “تجسيد لرغبة السوريين في تجاوز الصراعات، وبناء مستقبل موحد عبر الكلمة الحرة”. واختتمت بالقول: “الحبر السوري يجب أن يعلو فوق كل الخلافات، ليكون جسراً بين القلوب المبعثرة”.
سوريا لا تزال بلد السلام رغم المآسي
ومن جهتها، عبّرت الكاتبة ازدهار الخطيب القادمة من طرطوس عن امتنانها للمشاركة، وقالت: “سعيدة جداً بأن أكون جزءاً من هذا اللقاء الثقافي، قدمت نصاً قصصياً يحمل طابعاً إنسانياً، لأنني أؤمن أن الكلمة لا تقل أهمية عن أي مشروع تنموي أو سياسي”.
وأضافت ازدهار في حديثها عن الرقي الثقافي والتنوع الحضاري سمة أساسية في سوريا ومجتمعها: “الحضارة لا تزدهر إلا بوجود السلام. الحرب دمرت الكثير، لكن ما زال لدينا في سوريا بذور للحضارة والرقي والتنوع، والمهرجان هذا دليل على أن البدايات الجديدة ممكنة”.
أشادت ازدها الخطيب بالتنظيم والطاقة الإيجابية التي وجدتها في الرقة، قائلةً: “ما أدهشني هو الحماس والاحتراف في التنظيم. شعرت بطاقة أمل تفتح أبواب الإبداع. الفن والأدب ليسا مجرد ترف، بل ركيزتان أساسيتان لبناء السلام من جديد”.
مهرجان تأسيسي.. على أطلال الذاكرة السوريّة
ويعدُّ “مهرجان الفرات الأدبي” الأول من نوعه في المنطقة، من حيث الشكل والمضمون، إذ جمع أصواتاً أدبية من بيئات سياسية واجتماعية متعددة، في مساحة أدبية حرة، تستعيد وظيفة الثقافة كجسرٍ بين السوريين، لا كأداة للفرز أو التجييش.
امتد المهرجان على مدار ثلاثة أيام، ويتضمن برنامجاً متنوعاً يشمل جلسات قراءات شعرية وقصصية، وورشات نقاش حول الأدب ودوره في بناء السلم الأهلي، إضافةً إلى زيارات ميدانية لمواقع أثرية كقلعة الرقة و”متحف الرصافة”، فضلاً عن لقاءات مع فنانين ومؤرخين محليين.
أوضحت اللجنة المنظمة أن المهرجان جاء بمبادرة من مثقفين مستقلين، وبدعم من مؤسسات ثقافية محلية، بهدف إخراج النشاط الأدبي من طابعه النخبوي المغلق، وإدخاله في صميم العمل المجتمعي والإنساني.
ويُنظر إلى هذا الحدث بوصفه محاولة حقيقية لإعادة تكوين مشهد ثقافي وطني جامع، يبدأ من المدن التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب، لكنه لا يتوقف عند الألم، بل يتقدم بخطواتٍ واعيةٍ نحو الحوار والتلاقي.