أسعد العبادي
جاء الحديث عن “مرحلة حاسمة” في السياق الذي تحدث فيه الرئيس التركي مؤخرا عن دمج “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية)، مع الجيش السوري، وقد جاء ذلك بعد انتظار طويل لما سيدلي به أردوغان، في محاولات مأموله لرسم ملامح مستقبل الدولة التركية مع توفر الظروف الموضوعية، والفرص التاريخية التي توفرت لديه على خلفية المبادرة السلمية والتاريخية التي أطلقها المفكر عبد الله أوجلان.
إن تصريح أردوغان يرتبط بالوضع الأمني والسياسي في شمال سوريا، وعلاقات تركيا مع الفاعلين في المنطقة ولكنه لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الرجل. حيث تأمل شعوب المنطقة بأن تكون له مبادرة بحجم وأهمية مبادرة القائد عبد الله أوجلان “مبادرة السلام والمجتمع الديمقراطي” وبيان حزب العمال الكردستاني في مؤتمره الثاني عشر في الإعلان عن إنهاء مرحلة الكفاح المسلح وبدء مرحلة الكفاح السياسي، هذا البيان الذي جاء ليُنهي أربعة عقود من الصراع الدامي والمدمر للبنية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، ومستقبل تركيا، وعموم دول المنطقة.
على أية حال سأحاول هنا أن أتطرق لأبرز النقاط على خلفية تصريح أردوغان، وعلى الوجه التالي:
1. الخلفية الأمنية لتركيا:
ـ تحاول تركيا تبرير عدونها على مناطق شمال وشرق سوريا بحجة تواجد وحدات حماية الشعب الذي تعده فرعاً لـحزب العمال الكردستاني، علما ان وحدات حماية الشعب تشكل جزءاً من قوات سوريا الديمقراطية، ولا ترتبط أو تعمل تحت مظلة حزب العمال الكردستاني مع أن الأخير أعلن إنهاء مرحلة الكفاح المسلح، ووقف العمليات العسكرية ووقف إطلاق النار وبهذا تسقط الذريعة التركية.
ـ نفذت تركيا سلسلة أكثر من مرة هجمات وعدوانا تحت مسميات عدة في شمال سوريا منذ 2016 (مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”) في مسعى منها لاحتلال المزيد من الأراضي السورية بحجة إنشاء منطقة آمنة كما تدعي.
2. دعوة دمج “قسد” بالجيش السوري:
يشير أردوغان إلى أن دمج “قسد” في الجيش السوري النظامي سيكون خطوةً نحو إضعاف نفوذها المستقل، الذي تعتبره تركيا مدعوماً من الولايات المتحدة التي تعاونت مع “قسد” في محاربة داعش.
– تهدف تركيا من ذلك إلى استهداف مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا وضرب البنى التحتية والمكتسبات التي حققتها شعوب المنطقة ككل وليس الكرد فقط.
– تعزيز شرعية الجيش السوري كجهةٍ وحيدة مسيطرة، ما قد يُسهّل تفاهمات مع دمشق بضغطٍ روسي/ إيراني.
3.المرحلة “الحاسمة”:
ـ تسمية أردوغان المرحلة بـ “الحاسمة” يترك بعض الضبابية حولها، فقد يُقصد بها شن هجمات عسكرية أو سياسية تخطط له تركيا في شمال سوريا، خاصةً مع تزايد الحديث عن عملية عدوانية محتملة جديدة في حال فشلت مساعيه لنيل مآربه حسب ما يخطط له.
– من ناحية سياسية، تحاول أنقرة استخدام ورقة التفاوض مع سلطات دمشق الجديدة (بدعم روسي) لتسوية وإنهاء وجود “قسد” وخصوصيته، مقابل اعتراف محتمل بالوضع التركي في المناطق التي تحتلها (مثل إدلب ومناطق “درع الفرات”).
4. التعقيدات الإقليمية والدولية:
– الولايات المتحدة: تدعم “قسد” كشريكٍ في مكافحة داعش، وقد تعارض أي خطوة تُضعفها.
– روسيا: تسعى لتوسيع نفوذها عبر الوساطة بين تركيا والسلطات الجديدة في سوريا، لكنها قد توازن بين مصالح أطراف متضاربة.
– سلطة دمشق: ترفض عادةً أي تدخّل تركي، لكنه قد يقبل بدمج “قسد” في جيشه إذا ضمن السيطرة على المناطق الشمالية…!!!
5. الرسائل الخفية:
– محاولة تركيا تحويل الصراع من مواجهة مباشرة مع “قسد” وشن هجمات احتلالية على شمال وشرق سوريا إلى قضية “وحدة الأراضي السوريّة”، مما يُضفي شرعية على تحركاتها كداعمٍ للاستقرار.
– الضغط على الولايات المتحدة لسحب دعمها عن “قسد” أو إعادة تعريف تحالفاتها في سوريا.
أخيراً، وليس آخراً أقول بأن تصريح أردوغان يعكس رغبة تركيا في تحويل المسار العسكري إلى تسويةٍ سياسية، مع إدارة التوترات مع كل من دمشق وحلفائها (روسيا وإيران) والولايات المتحدة، لكن تحقيق هذا الهدف سيحتاج إلى مفاوضاتٍ معقدة، خاصةً مع تعارض المصالح الإقليمية والدولية، وعلى الحكومة التركية تقع المسؤولية الأكبر اليوم لاستثمار الفرصة التاريخية التي لا تعوض، والتي أطلقتها القائد المفكر الكردي عبد الله أوجلان، لمستقبل واعد وجديد لشعو
ب تركيا والشرق الأوسط.