الشدادي/ حسام دخيل – في ريف الحسكة الذي يتهيأ لارتداء لونه الذهبي مع اقتراب موسم الحصاد، تدور عجلات الحصادات ببطء في ساحات الصيانة، لا لجني السنابل بعد، بل لتأهيلها في سباقٍ مع الزمن وتكاليف تتصاعد كحرارة الصيف القادم. في هذه الأرض التي لطالما اعتُبرت سلة خبز سوريا، يقف المزارعون وأصحاب الحصادات على أعتاب موسم لا يبدو مبشّراً، ومثقلاً بالهموم.
في مدينة الشدادي، وسط ضجيج الحديد والزيوت، كان خالد العبد الله – صاحب ورشة صيانة – يقلب بيديه قطعة معدنية صغيرة. قال وهو يشير إليها: “هذه كانت بـ10 دولارات السنة الماضية، اليوم ثمنها 15 دولاراً… والطلب عليها لم يتغير، فقط الدولار تغيّر”. العبد الله ليس الوحيد الذي يشعر بثقل العمل؛ فكل من في هذا القطاع يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسط موجات حرّ أنهكت المحاصيل، وقطع مياه نهر الخابور الذي أجهز على ما تبقّى من خصوبة الأرض.
“ألف دولار لقطعة واحدة؟!”
تبدو الأرقام مخيفة هذا العام. يتحدث “زهير الأحمد” وهو أحد أصحاب الحصادات: “بعض القطع نشتريها اليوم بألف دولار، ولا خيار لدينا… إن لم تصلح الآلة، لن نعمل”. ومع ضعف الليرة السورية، صار شراء أي قطعة غيار، أو حتى زيت محرك، ضرباً من المغامرة، خاصةً أن معظمها مستورد وتُسعَّر بالدولار.
اليد العاملة ترفع صوتها… والأجور تُحلّق
لكن الحصادات ليست وحدها التي تتطلب استثماراً كبيراً. هناك أيضاً من يديرها ويصلحها ويعمل عليها. سائقو الحصادات يطلبون هذا العام بين 800 إلى 1000 دولار شهرياً، بينما الفنيون والميكانيكيون تتراوح أجورهم بين 1000 و2500 دولار. ويضيف الأحمد “العام الماضي كنا نُجري الصيانة بألفي دولار، اليوم قد نحتاج إلى أربعة آلاف… ولا نعرف إن كان الموسم سيعوّض كل هذا، لا يوجد محاصيل هذا العام، أكثر من 70 بالمئة من الأراضي غير مزروعة، والـ30 بالمئة الأخرى إن زُرعت فهي ليست بأحسن حال”.
مزارعو الشدادي: قمحنا في خطر
في قرية الغرس بريف الشدادي، يتحدث “حسين فيصل”، أحد مُلّاك الحصادات، بصوتٍ تختلط فيه الشكوى بالإصرار: “بدأنا الصيانة منذ شهر. الآلات توقفت طويلاً، لكن لا أحد يراعي هذه التكاليف. نطالب الإدارة الذاتية بتحديد أجور عادلة وضمان تأمين قطع الغيار بسعرٍ مقبول”.
في المنطقة نفسها، يعبّر المزارع “عبد الرحمن الأكرم” عن إحباطه، مشيراً إلى ندرة الأمطار واستغلال بعض التجار للوضع: “نحن نكافح كل موسم لنزرع، ثم نصطدم بالجفاف وقطع الخابور والأسعار المجنونة”.
أما “بسام التركي“، الذي يملك 100 دونم في قرية الحُمر، فيرى أن المشكلة تمتد لما بعد الزرع والحصاد، لتصل إلى النقل والتخزين: “نحتاج إلى أكياس قمح ومراكز شراء قريبة. نحن نخسر حتى بعد الحصاد بسبب التكاليف الإضافية”.
موسم على المحك
تُعتبر الحسكة من أهم المناطق الزراعية في سوريا، لكن اليوم يقف هذا الموسم بين أمل الإنتاج وبين كابوس التكاليف. مع كل طلقة في السماء إيذاناً بانطلاق الحصاد، هناك صمت ثقيل في قلوب الفلاحين الذين لا يعلمون إن كان جهدهم سيُكافأ أم يُدفن تحت وطأة الدولار والديزل.