د. علي أبو الخير
ربما كانت من الصدف المقصودة أن تكون زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج في ذكرى نكبة فلسطين السابعة والسبعين منذ يوم ١٥ أيار ١٩٤٨وتعتبره إسرائيل عيد الاستقلال.
وهذا ما بثبت إن كل مشاكل العالم قابلة للحل، ما عدا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ الهند مع باكستان؛ أوكرانيا مع روسيا. كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية….. إلخ؛ لأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني له أبعاده الدينية والعمق التاريخي لدول منطقة الشرق الأوسط، التي تمثل صرة العالم بأسره؛ كونها مهبط الديانات السماوية؛ ومعها وفيها معظم ثروات الأرض من نفط وغاز مما جعلها مطمعاً استعمارياً، استعمار مباشر قديماً، واحتلال الإرادات حديثاً.
من هذه الرؤية يمكن القول إن ترامب لم يأتِ لحل مشكلة الشرق الأوسط؛ ولا يعنيه حل الدولتين؛ ولا حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فزيارته لها هدفين كما نرى.
وفي المقابل لابد لترامب أن يذر الرماد في العيون، ويتعامل مع القضية بمنطق رجل الأعمال الناجح، الذي يأخذ الشيء بأبخس الأثمان، ويوهم بأنه يضغط على نتنياهو لوقف مجزرة الإبادة التي يقوم بها في قطاع غزة؛ فترامب أعطى الحجج لنتنياهو لتفريغ غزة من أهلها وإقامة ما يشبه الريفييرا الفرنسية؛ ومن ثم نستبعد تماماً دخول ترامب كوسيط لحل الدولتين ولا ننسى إنه نقل سفارة أمريكا للقدس في رئاسته الأولى في اعتراف أتاح لإسرائيل محاولات ضم الضفة الغربية، ومازال العدوان قائماً في غزة والضفة. فترامب له هدفين رئيسيين؛ جاء من أجلهما تحديداً:
الأول هدف استثماري: والأمر غير مسبوق في تاريخ الإمبراطوريات الكبرى؛ فلقد طغى على هذه الزيارة الجانب الاقتصادي والاستثمارات والصفقات الضخمة، مع ما يطرحه ذلك من تساؤلات حول مدى تغليب ترامب ومحيطه لمصالحهم الشخصية على حساب السياسة الأمريكية. وكذلك حول ما ستجنيه دول المنطقة مقابل هذه الصفقات؛ وهو كما قيل عنه “رجل عقارات جريء” يتعامل من منطق التجارة التي ليس لها قلب إنسان.
لقد حصل ترامب على أموال وهدايا بالمليارات، منها الطائرة التي تشبه القصور الملكية؛ مع استمارات بآلاف الملايين؛ صحيح أن دول الخليج تطلب أو تشترط حل مشكلة غزة وكل فلسطين؛ ولكن منطق ترامب لا يعترف كما قلنا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وهو ما سارت عليه الإدارات الأمريكية؛ ولكن ترامب يفعل في العلن ما فعله إسلافه سراً.
التطبيع مع إسرائيل: هو الهدف الثاني /السياسي/ يهدف إلى إلزام الدول العربية بالانضمام إلى “التطبيع مع إسرائيل” فيما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية؛ فقد قال ترامب إن السعودية ستنضم للإبراهيمية؛ ثم تتوالى الدول التي تنضم لها.
الجديد إن ترامب التقى رئيس سلطة دمشق أحمد الشرع ؛ ووصفه بأنه جذاب وذكي؛ ثم أعلن رفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية عن سوريا؛ التي رحبت بالخطوة واعتبرتها “نقطة تحول محورية”، كما قال متحدث باسم البيت الأبيض إن ترامب دعا الرئيس السوري إلى التوقيع على اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل ؛ وهو أمر أخرج سوريا من ساحة التوازن العسكري العربي مع إسرائيل؛ خاصةً بعد تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين الذي أُعدم في دمشق عام ١٩٦٥وتم تسليم متعلقاته بموافقة تركيا؛ التي منحت الفرصة السيطرة الكاملة على القرار السوري رغم قرار حزب العمال الكردستاني وقف العمليات العسكرية والانتقال إلى النضال السياسي، في بادرة سلام؛ ولكن السياسة الأمريكية الثابتة هو تفوق إسرائيل على الدول العربية مجتمعةً؛ والتنسيق الكامل مع تركيا؛ التي هي عضو فعال في منظمة حلف الأطلنطي – الناتو؛ ولتذهب حقوق الفلسطينيين والكرد أدراج الرياح.
إذا كان لترامب أهداف، فلابد أن تكون لنا أهداف لدولنا ومجتمعاتنا، والأمر المهم هو وحدة دول المنطقة في التنسيق فيما بينهم، وهو حدها الأدنى على أقل تقدير.. هذا لقومٍ يعقلون.