رفيق إبراهيم
ما كان من أحد من المراقبين والمتابعين للشأن السوري يتوقع حدوث لقاء بين ترامب والشرع، في المملكة العربية السعودية، وحتى أن يتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار رفع العقوبات عن سوريا، لكنها حدثت وهي كانت من إحدى عجائب ترامب ومفاجآته، ليس هذا فحسب بل أعلن بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا قد تعود مرةً أخرى.
قبل حدوث اللقاء كانت هناك إيماءات لرئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، عبر وعوده التي سُرّبت عن طريق وسائل التواصل الافتراضي، ومنها التهدئة والتطبيع مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقيات مع أمريكا حول النفط والغاز، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأمريكية، وبخاصةٍ أن الأرض السورية مليئة بالكثير من الثروات المعدنية، لم يتم اكتشافها وحتى البحث عنها حتى يومنا هذا، وعلى اعتبار أن هم ترامب الأول الثروة والمال سال لعابه، لوعود أحمد الشرع، وقرر أن يستكشف ذلك عن قرب، فقبل باللقاء.
وكان ترامب قد قال قبل الزيارة إن هناك مفاجآت سيعلن عنها خلال زيارته للمنطقة، التي استهلها بالسعودية، وبالفعل أعلن من المحطة الأولى لزيارته، رفع العقوبات والتقى بأحمد الشرع، وذلك لم يأتِ من فراغ، بل جاء من خلال التحضير للزيارة، وبحثها مع قادة تلك الدول، وبخاصةٍ مع المسؤولين في السعودية، ما يعني أن قرارات ترامب لم تأتِ ارتجالياً، وكانت مدروسة مسبقاً، رغم أنه يعلم بخفايا الخلفية العقائدية وانتماء الشرع سابقاً للقاعدة وداعش، إلا أنه أراد أن يضعه في اختبار حقيقي، حسب مقتضيات المرحلة الحالية، التي تتطلب الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.
بالطبع قرار ترامب لم يأتِ كمكافأة للسوريين، بل اقتضت المصلحة الأمريكية والإسرائيلية ذلك، وجاءت تلك القرارات بشروط ومطالب، على أحمد الشرع تنفيذها بشكل عاجل، ومنها توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، التي تسمى باتفاقيات “إبراهام”، ومغادرة الإرهابيين الأجانب الذين انضموا لهيئة تحرير الشام في أوقات سابقة، ومحاربة داعش والإرهاب، وأيضاً، يجب التقرب من الوضع الداخلي وحل المشاكل ومسألة الانتهاكات التي تحدث في العديد من المدن والمناطق السوريّة، وأن لم يقُم الشرع بهذه الخطوات، لن يكون هناك رفع كلي للعقوبات.
السوريون توجسوا خيراً برفع العقوبات، التي ستؤدي حتماً إلى تأثيرها الإيجابي على الأوضاع العامة والوضع الاقتصادي، كما سيكون هناك تحسّن كبير في وضع الاستثمارات، والأوضاع التجارية، ما سيؤثر على عملية إعادة الإعمار، وبناء ما تم تدميره نتيجة الحرب التي مرَّ عليها 14 عاماً، وأيضاً إلى تقرب المجتمع الدولي وفتح العلاقات مع سوريا، وهذا فال خير على السوريين.
كلنا يعلم أن الأوضاع المعيشية في سوريا، صعبة للغاية، ومن الواجب على الحكومة الانتقالية القيام، بكل ما سيؤدي إلى إنهاء هذه الأوضاع، التي أرهقت كاهل السوريين، وأثرت على معيشتهم، وبات أكثر من ثمانين بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، رفع العقوبات أفرح السوريين كثيراً، ولكن يجب إقناعهم بضرورة قيام السلطات في دمشق، بوأد النزعات والنعرات الطائفية والإقصائية، أولاً، ومشاركة كافة السوريين في وضع دستور جديد يحافظ على حقوقهم، ويحقق المساواة والعدالة للجميع.
على الحكومة السورية الانتقالية، أن تدرك بأن سوريا تتسع لكل السوريين، بمختلف عقائدهم، وقومياتهم وأديانهم، وطوائفهم، وأن تعمل على إيقاف نزيف الدم السوري، وتتقرب من الواقع السوري المتعدد الألوان، بحرص على أن يكون للجميع يد في بناء بلدهم، ستختلف الأوضاع المعقدة إلى أوضاع جديدة في التعايش المشترك، والمصير الواحد، ما سيؤدي إلى إيجاد الحلول لكافة المشاكل العالقة، وستفتح الباب أمام تقدم وازدهار البلاد، وسينعم السوريون بالحرية والأمن والاستقرار.
ترامب، وكما يعلم الجميع يتخذ من سياسة المصالح الأمريكية قبل كل شيء، ومواقفه تؤكد أنه يحاول النأي بأمريكا من خوض حروب ليس للشعب الأمريكية أيّة مصلحة فيها، وهو رجل يُقدس المال والاقتصاد ويضعه في أولوياته دائماً، وما يؤكد ذلك، الصفقات التجارية التي وقّعها مع دول الخليج التي تجاوزت الترليوني دولار أمريكي، وقد تكون سوريا وجهته القادمة اقتصادياً، وكما قلنا إن واقع الاستثمارات في سوريا، يدغدغ مشاعر ترامب الذي لن يتوانى عن القيام بما تتطلبه المصلحة الأمريكية.
اليوم الذين شككوا بقدرة ترامب، على حل القضايا الدولية سلمياً، اقتنعوا بأن الحروب والصراعات والمواجهات العسكرية، لن تحل الأزمات التي تحدث في العالم، لقد نجح ترامب في إيجاد الحلول بالضغوط الاقتصادية والوسائل السلمية، ويبدو أنها الوسيلة الأنجع لترتيب الأوضاع الدولية وإنهاء الحروب فيها، وهناك الكثير من القضايا العالقة، ومن ضمنها سوريا، يرى ترامب أن حلها سلمياً هو الطريقة المثلى، لعالم آمن خال من الحروب والصراعات، وحسب ما تقتضي المصلحة الأمريكية أولاً.