قامشلو/ سلافا عثمان ـ في أحد أزقة سوق قامشلو يفتح “أحمد ناصف” محمصته كل صباح، حيث تعبق رائحة البذور المحمصة، لتروي قصة مشروع صغير نشأ بالعمل الجاد والإصرار في قلب مدينة قامشلو.
مشروع “محمصة الناصف”، الذي أُسِّس عام 2021، لم يكن فكرة تجارية فحسب، بل خطة بقاء، فقد قرر “أحمد ناصف” وشقيقه من مدينة قامشلو، ألا ينتظرا معجزة اقتصادية لا تأتي، ولا وظيفة إدارية بعيدة المنال، فاختارا أن يبدآ مشروعاً يقوم على تحميص البذور وبيعها، وأن يبنيا شيئاً مستداماً، يعتمد عليهما وعلى أفراد عائلتهما، واليوم وبعد مرور أربع سنوات، أصبح هذا المشروع الصغير مصدر رزقٍ دائمٍ لأربع عائلات تعيش من خيره.
رحلة يومية تبدأ قبل الشروق
وفي لقاء مع صحيفتنا “روناهي”، أشار “أحمد ناصف”، إلى أن العمل داخل المحمصة لا يتوقف ولا يعرف الراحة، العمل دقيق ومتكرر، لكنه لا يخلو من الحرفة، يبدأ اليوم في ساعات الصباح الأولى، تفتح الأكياس الكبيرة، وتفرز البذر، بذور دوار الشمس بأنواعها المختلفة “الأمريكي، الصيني، المصري”، وأحياناً الفستق البلدي والغابي، أو بذر الجبس المسلوق والمتبل.
وأوضح، أن “لكل نوع خصائصه، فبعضها يحتاج إلى تحميص طويل، وبعضها إلى حرارة منخفضة ودوران خفيف، وبعضها يُملّح أو يُبهر بعد التحميص، الأجهزة المستخدمة نصف آلية، وحرارة التحميص تضبط يدوياً بناء على خبرة متراكمة”، ناصف وشقيقه يتناوبان على متابعة الآلة، مراقبة لون البذر، ودرجة صوته وهو يتحول من الرطوبة إلى القرمشة، ثم يُنقل إلى مرحلة التبريد والتغليف.
أرباح محدودة
وتُباع البذور يومياً بكميات تتراوح بين عشرة إلى 15 كيلوغرام، ويختلف السعر حسب النوع والجودة، لكنه يتراوح بين 20 إلى 25 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، ورغم تواضع المبيعات اليومية، إلا أنها تمثل دخلاً ثابتاً، وإن كان محدوداً، يكفي لتأمين معيشة بسيطة.
وأكد ناصف: “إن المشروع لا يدر أرباحاً كبيرة، لكنه يضمن الاستمرار، فتكلفة استيراد طن من البذور تصل إلى 1500 دولار أمريكي، فيما لا يتجاوز هامش الربح بعد كل العمليات 500 دولار فقط للطن الواحد، وضمن هذا الهامش الضيق، يجب عليهم أن يغطوا تكاليف التغليف، والنقل، والكهرباء، والاستهلاك اليومي”.
غياب الدعم
وأشار ناصف، إلى أن المحمصة تعتمد بشكل كامل على مادة المازوت لتشغيل أجهزة التحميص، ومع غياب الدعم من جهات المعنية، اضطر للاعتماد على المولدات الخاصة التي تُشغّل بنظام “الأمبير”، لكن التكلفة أصبحت باهظة.
كما نوّه، إلى أن الأمبير الواحد كان يُباع سابقًا بستة دولارات، أما الآن فقد ارتفع إلى 11 دولاراً، مع تقليص ساعات التشغيل إلى تسع ساعات فقط يومياً، ما يعيق الإنتاج، ويعرض بعض البذور للتلف بسبب الانقطاع المفاجئ أو عدم استكمال دورة التحميص.
ولفت، بأنه لم يقصّر في استكمال الإجراءات الرسمية، فقد جهّز كل الأوراق، وحصل على الترخيص الصناعي، وسجّل المشروع في غرفة الصناعة، وتقدّم بطلب إلى مديرية المحروقات للحصول على حصة من المازوت، لكنه قوبل بالرفض، بحجة أن “المشاريع الصغيرة لا تشملها خطة الدعم”.
كما أوضح أن هذا القرار أضرّ بمصدر رزق عائلات بأكملها: “لم نفهم كيف يمكن أن تُقصى المشاريع الصغيرة، وهي التي تُشغل عائلات كاملة، وتُنتج بشكل فعلي؟ لماذا لا نعُد جزءاً من الاقتصاد المحلي؟”.
وأكد “أحمد ناصف” في ختام حديثه، بأن مطلبهم ليس بالحصول على مساعدات مالية، بل فقط تخصيص حصة شهرية من الوقود لضمان الاستمرارية: “نحن لا نريد أكثر من أن نعمل ونعيش بكرامة”، مضيفاً: “فقط أعطونا وقوداً لنستمر”.
يذكر، أنه في مدينة تُثقلها أزمات اقتصادية خانقة، تظل “محمصة ناصف” واحدة من عشرات القصص التي تبرهن أن الحياة قد تبدأ من مشروع بسيط، إذا وُجد الدعم، وإذا سُمع الصوت.
