قامشلو/ سلافا عثمان – داخل غرفة بسيطة في أحد أحياء مدينة قامشلو، تجلس سميرة عزيز، محاطة بأدوات متواضعة: نشا، غراء، صلصال، قوالب بلاستيكية، وعلب ألوان نصف ممتلئة، لا تحتاج إلى معدات متطورة، فقط إلى مساحة صغيرة، ومهارة تحول الأشياء المهملة قطعا فنية.
لم تدخل سميرة عالم الحرف اليدوية بدافع التسلية، بل بدافع الضرورة والمعرفة التي تراكمت عبر السنوات، لم تأت من خلفية فنية تقليدية، لكنها بنت تجربتها خطوة بخطوة، عبر التجريب، والتمسك بالفكرة، فكرة أن ما يُكسر يمكن إصلاحه، وأن ما يُلقى في الزاوية يمكن أن يتحوّل إلى زينة تُعرض في واجهة منزل.
أيادٍ تتقاسم الضوء
ذات عقود أربعة من عمرها؛ سميرة لم تكن بداياتها مع الحرف اليدوية نتيجة تدريب أكاديمي أو تعليم رسمي، بل كانت تجربة ذاتية بالكامل، انطلقت من داخلها ومن رغبتها الشخصية في العمل والإنتاج، لم تحصل على أي نوع من التدريب المهني، ولم تنتظر جهة خارجية لكي تدعمها مالياً أو توفر لها الإمكانات اللازمة، بل كانت دوافعها نابعة من إصرار داخلي على أن تعمل وتتعلم بنفسها، هذا الدافع هو ما دفعها لاحقاً إلى مشاركة ما تعلمته مع نساء أخريات، فبدأت بتعليمهن واحدة تلو الأخرى، دون وجود شهادات رسمية أو مراكز تدريب تقليدية، المجموعة التي أنشأت بدأت بشكل بسيط للغاية، كمجموعة صغيرة نشأت من الحاجة إلى الإبداع، لكنه ما لبث أن توسع بفضل الجهد المتواصل والمشترك، ليضم اليوم عشرات النساء اللواتي وجدن في هذا النوع من العمل اليدوي فرصة جديدة لبناء حياة أفضل.
وتوضح سميرة أن أحد أهم الجوانب التي تميز هذه التجربة هو روح التكافل والتعاون بين النساء المشاركات فيه، فليست النساء لديهن موهبة فطرية في الحرف اليدوية، ولا كلهن خبيرات في هذا المجال، ومع ذلك فإنهن يعملن بروح جماعية، حيث تتقاسم النساء المواد الأولية فيما بينهن، ويتبادلن المعارف والخبرات، ويكملن بعضهن في حالات النقص أو الصعوبات: “إن كل قطعة يتم إنتاجها تحمل بصمة جماعية، لأنها نتيجة تراكم معرفة مشتركة بيننا، كل واحدة منا ساهمت بطريقة ما في تشكيل هذه القطعة، سواء بالنصيحة أو الدعم أو بالمساعدة العملية، وذلك كله يتم دون أي شروط أو قيود”
.حلم يصنع الفرق
أما عن أبرز ما تقوم بصنعه، فتشير سميرة إلى مجموعة من المنتجات التي تنفرد بدقتها رغم بساطة المواد المستخدمة، من بين هذه الأعمال: مرايا مكسّرة مزينة بقطع صلصال ملوّنة، مجسّمات صغيرة مصنوعة من الكونكريت، وأثريات منزلية بسيطة تُنفَّذ بعناية فائقة، وتعتمد سميرة في صناعتها على مواد أولية متوفرة مثل النشا، الغراء، الجبسين، والإسمنت الأبيض، إلى جانب الألوان الغذائية أو المائية التي تضيف لمسة فنية نهائية على القطع، وعلى الرغم من بساطة هذه الأدوات وقلة تكلفتها مقارنة بالمعدات الصناعية، إلا أن النتائج النهائية غالباً ما تكون مدهشة ومبهرة لكل من يراها، ولا تقتصر أعمالها على هذا الجانب فقط، بل تمتد لتشمل قطع زينة لغرف الضيوف، أثريات، ولوحات فنية. وتقوم باستخدام قوالب جاهزة لصنع أشكال متعددة من الصلصال، كما تتعاون أحياناً مع مكاتب ومطابع لطباعة عبارات وزخارف تضيف طابعاً شخصياً ومميزاً على كل قطعة.
ورغم النجاحات التي تحققت، لا تخلو الطريق من التحديات، فقد تحدثت سميرة عن صعوبات مستمرة تواجهها، خصوصاً فيما يتعلق بارتفاع أسعار المواد الأولية، التي أصبحت باهظة جداً مقارنةً بما كانت عليه في السابق، ما يجعل من الصعب تأمينها، خصوصاً في مدينة مثل قامشلو، وأن عدم وجود مكان دائم للعمل أو لعرض المنتجات يسبب صعوبات كبيرة في تنظيم ورشات التدريب، يعيق الاستمرارية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتمكين النساء من العمل أو تسويق المنتجات المصنوعة يدوياً.
واختتمت سميرة حديثها بكلمات تعبّر ببساطة وعمق عن فلسفتها ومسيرتها: “لسنا نحلم بحجم السوق، إنما بحلم بسيط، أن نعمل، نُنتج، ونعلم غيرنا، هذا الحلم الصغير هو ما يصنع فرقاً كبيراً في حياتنا اليومية”.