أحمد علي بادي
الملايات فوق الأسِرّة، طلاء الجدران، الأرضية، ورداء الممرض كل ذلك البياض يحيط بي وأغرق في السواد، أهو التعب قد وصل إلى روحي؟!
هل حانت اللحظة التي كثيرا ما تمنيتها؟ فما بالي الآن كأني أريد الهرب منها؟!
أهكذا نحن، بمنتهى الشجاعة نطلب الأماني وحين تأتي إلينا نجبن عن لقائها.
الممرض بلطف يحاول أن يخفف عني وأنا أشكو له:
-الحمى تأكل رأسي، وما هذه القبضة الحديدية التي تمسك بمعدتي؟!
-هون عليك، سأعطيك حقنة وريدية علها تجعلك ترتاح قليلا.
وصل إلى سمعي صوت المطر الذي نزل فجأة وبغزارة؛ خطر تساؤل في بالي: لماذا أشعر أن السماء لا تمطر هكذا إلا حين أكون في أحلك الظروف!
وبدأت أحس بالغرفة تضيق أكثر وأكثر كأنها لحد، والممرض الواقف عند رأسي كأنه ملك الموت وهو يرسم على وجهه ابتسامة لا معنى لها بعد أن انتهى من حقنته الوريدية.
-إن شاء الله سترتاح الآن.
يقول لي، فأوقن بأنه واهم وبركان في معدتي يغلي. لم ألبث إلا قليلا حتى نهضت فجأة مسارعا نحو حوض الحمام، أتقيأ سائلا أخضر.
-أين الطبيب؟ اطلب منه أن يعطيني شيئاً يجعلني أستريح من هذا العذاب، أو أي شيء يجعلني أنام.
قلت للممرض وأنا أستدير نحوه، فيجيبني في مواساة:
-الساعة الآن الثانية صباحا والطبيب سيأتي عند الساعة السادسة إن شاء الله. عد إلى سريرك. أعتقد أن تلك الحقنة ستساعدك على أن تهدأ قليلا.
أعود إلى السرير ويدي تتحسس النار التي في بطني.
لا شك أني على حافة الحياة، أبدأ أفكر في كل من حولي، زوجتي ووالدتي وأصدقائي وأهلي، كيف سيتلقون خبر رحيلي عنهم؟ هل سيحزنون كثيرا؟
يأخذني التفكير في ذلك الشعور قليلا عما أشعر به من آلام، فأغمض عيني لأفقد فجأة الإحساس بكل من حولي، ولم أفق بعدها إلا على صوت الطبيب وهو يقول:
-هذه المحاليل ستساعده كثيرا…
وأمام عيني، زوجتي ووالدتي وبعض أقاربي فأعود لأغمض عيني؛ هل مازِلتُ حيا؟ هل يا ترى علي أن أفرح أم أحزن؟
من مجموعته (صوت يخرج من الداخل).