هيفيدار خالد
في خطوةٍ وُصفت بالتاريخية، أعلن حزب العمال الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح، بعد نحو نصف قرن من النضال والكفاح، استجابةً للنداء التاريخي للقائد عبد الله أوجلان. وبذلك، يطوي الحزب صفحة من تاريخٍ مجيد ويترك أثراً عميقاً في حاضر كردستان والمنطقة عموماً.
لطالما كانت هيبة الحزب مثار حديث في شتى المحافل، يُحسب له ألف حساب، ويُعدّ مصدر فخر وإلهام للثوار والمناضلين الأحرار والاشتراكيين حول العالم. لقد شكّل عنفوانه الثوري عنواناً بارزاً للحركة التحررية في المنطقة.
يُعتبر حزب العمال الكردستاني التنظيم الأيديولوجي الذي أعاد إحياء القضية الكردية في تسعينيات القرن الماضي، في وقتٍ كان فيه مسؤولون أتراك يزعمون أنهم قضوا على الشعب الكردي وقضيته ودفنوهما إلى الأبد. غير أن الحزب، من خلال نضاله السياسي، الأيديولوجي، والعسكري، وجّه ضربةً قاسية لسياسات الإنكار والإمحاء التي مُورست بحق الكرد، وأفشل محاولات الدولة التركية لتفكيك الهوية الكردية وتغيير التركيبة المجتمعية في كردستان، كما واجه سياسات الحرب الخاصة التي استهدفت كردستان والمنطقة.
وقد حظي هذا القرار التاريخي بمتابعة واسعة، واعتُبر انطلاقة لمرحلة جديدة للبشرية جمعاء. إذ آن الأوان، لأن تلمع نجمة الكرد، وتُفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، تمهّد لمستقبل يليق بالشعب الكردي وتاريخه العريق ونضاله الأسطوري، هذا التحوّل يشكّل، دون شك، نقطة مفصلية في مسار حركة التحرر الكردية، بعد أن أسهم الحزب في إعادة الاعتبار لهوية الشعب الكردي وثقافته الأصيلة.
ويُعد حزب العمال الكردستاني من أبرز القوى السياسية المنظمة في الشرق الأوسط، نظراً لتاريخه الثوري الطويل، وهو اليوم يعمل من أجل بناء مسار حقيقي نحو السلام مع الدولة التركية. ويتبنى الحزب رؤية بنّاءة تستند إلى مبادئ صلبة، أبرزها حرية المرأة، التي تشكّل أساساً في مجمل قراراته وخطواته التنظيمية والعملية.
إن إعلان الحزب عن إنهاء الكفاح المسلح في هذا التوقيت الحساس، في ظل متغيرات سياسية وميدانية متسارعة تشهدها المنطقة، يُعدّ قراراً صائباً وشجاعاً، فهو يشكّل خطوة جديدة على طريق النضال السياسي والانخراط في المسار الدبلوماسي والحقوقي، من أجل تحقيق حلّ عادل ودائم للقضية الكردية، وتأمين الظروف المناسبة لنيل القائد عبد الله أوجلان حريته الجسدية.
وقد قوبِلت هذه الخطوة بترحيبٍ واسع في مختلف أرجاء المنطقة، باعتبارها مبادرة تاريخية أطلقها القائد عبد الله أوجلان وتبنّاها الحزب، من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار ليس فقط للشعبين الكردي والتركي، بل لجميع شعوب المنطقة المتعايشة منذ قرون. غير أن الدولة التركية تسعى للتعتيم على هذه الجهود عبر حرب إعلامية تقودها أدواتها الرسمية، محاولةً تصوير حزب العمال وكأنه قد انتهى.
إلا أن الواقع يؤكد أن حزب العمال الكردستاني، عبر تاريخه الحافل، أثبت قدرته على التأثير في سياسات المنطقة، ولعب دوراً محورياً في الحفاظ على توازناتها المرحلية، مستنداً إلى فكر القائد عبد الله أوجلان وفلسفته في الأمة الديمقراطية والعيش المشترك.