خيري باران
في عام 1916، تم توقيع اتفاقية سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا. الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية كان تقسيم الإمبراطورية العثمانية، التي كانت قد دخلت في مسار الانهيار بسبب الحرب العالمية الأولى.
ضمن هذه الاتفاقية وتحت إشراف كل من بريطانيا وفرنسا، تم إنشاء أنظمة مؤقتة في سوريا والعراق. وتم قبول خط السكك الحديدية بين الدولة التركية وسوريا كحدود فاصلة.
الجزء الصغير من كردستان، أي روج آفا، تم إدخاله ضمن الحدود السورية. الدولة التي أُعلنت باسم الجمهورية العربية السورية تبنت منذ البداية سياسة قومية وشوفينية وإقصائية.
الوضع الجديد الذي تم فرضه على سوريا منذ البداية واجه تحديات كبيرة. لذلك، لم تشهد سوريا استقراراً حقيقياً منذ الحرب العالمية الأولى، ولا يزال عدم الاستقرار مستمراً حتى اليوم. فمثلما أنكر وجود الكرد في تركيا، أنكر وجود الكرد في سوريا أيضاً، وتم إنكار وجودهم، ولم تُمنح الغالبية العظمى منهم الجنسية، ولم يُعترف بهم بأي حقوق قانونية أو ثقافية أو سياسية.
هذا الأمر وصل إلى ذروته عام 1963 مع صعود حزب البعث إلى السلطة، حيث لجأت الدولة السورية إلى سياسات التوحيد القسري رافضةً كل أشكال التعددية الثقافية والدينية واللغوية والمذهبية. في عام 2011، ومع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، بدأ النظام القائم منذ قرن يتصدع، وظهرت فرص تاريخية جديدة أمام شعوب سوريا. وفي الواقع، لم يكن الأمر متعلقاً فقط بالنظام في سوريا، بل إن سياسات القوى الرأسمالية التي استمرت لعقود طويلة بدأت أيضاً بالانهيار.
وفي 19 يوليو 2012، خطا الكرد الذين تم إنكارهم وتهميشهم لعقود، خطوة تاريخية غيّرت مسار سوريا والمنطقة بأسرها. الدولة التركية رأت في هذه الخطوة تهديداً لها، فتدخلت بشكل مباشر في الحرب السورية. الهجمات التي شنتها مجموعات المرتزقة مثل جبهة النصرة على عفرين عام 2012، ثم على سري كانيه عام 2013، كانت بهدف عرقلة أي مشروع سياسي كردي في روج آفا. بسبب تدخل تركيا، تفككت سوريا، وسقطت مدنها، وقتل مئات الآلاف، وهُجّر الملايين. ومع ذلك، لم يتخلَّ نظام البعث عن فكره العنصري والشوفيني، وأصرّ على التمسك بالسلطة. وفي 8 ديسمبر 2024، مع سقوط نظام البعث بدأت مرحلة جديدة في سوريا.
السلطة الحالية في دمشق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة، والتي تتبع فكر القاعدة رغم إعلانها الانفصال عنها. وفكرهم قائم على الإسلام السلفي الجهادي السنّي، وهو أمر معروف من الجميع، خصوصاً من خلال هجماتهم ضد الدروز والعلويين.
هذه السلطة لا تملك خبرة في إدارة الدولة، ولا تمتلك ثقافة ديمقراطية. كما أن ممارساتهم اليومية تظهر أنهم يتحركون بشكل كبير بتوجيه من تركيا. ما كان يفعله نظام البعث في الماضي، تكرره هذه السلطة لكن بأشكال مختلفة. ويبدو أن سوريا بهذا الفكر لن تخرج من أزماتها الحالية، ولن تكون ديمقراطية.
قبل كل شيء، يجب على هذه السلطة الجديدة أن تدرك تنوع سوريا، وأن تدرك أنه لا يمكن العودة إلى الماضي. السياسات القمعية والحروب والهجمات لا تحل المشكلات.
الخطوة الأهم الآن هي الاعتراف بالكرد وببقية الشعوب القومية في سوريا، ووضع دستور ديمقراطي يتيح للجميع المشاركة في إدارة البلاد.