روناهي/ الرقة ـ في ظلِّ تقلبات مناخية متسارعة، وتراجع الدعم المائي من المنبع، تواجه مدينة الرقة أزمة مياه غير مسبوقة تهدد أمنها البيئي والغذائي، وهذا الانخفاض الحاد في منسوب نهر الفرات، تفاقمت منه تداعيات خطيرة تطال محطات المياه، شبكة التوزيع، والموسم الزراعي الذي يعتمد عليه آلاف الفلاحين في معيشتهم.
استمرار انخفاض منسوب نهر الفرات يُنذر بتفاقم المشكلات البيئية، كارتفاع نسبة التلوث وانتشار الحشرات والأمراض المنقولة بالمياه، ما يشكل خطراً حقيقياً على الصحة العامة والبيئة المائية في المنطقة، فيما تستمر دائرة الرصد البيئي والمخابر في هيئة البيئة في مقاطعة الرقة ومن خلال شعبة مراقبة الموارد المائية، بعمليات المراقبة وقطف العينات الدورية، ورفع التقارير اللازمة للجهات المعنية لاتخاذ التدابير المناسبة للحفاظ على سلامة الموارد المائية وضمان استدامتها.
مستنقعات راكدة وحشرات على ضفاف نهر الفرات
وفي هذا الصدد؛ أوضح رئيس دائرة الرصد البيئي والمخابر في هيئة البيئة “هاني العيفان”، إن انخفاض المنسوب أدى إلى تشكل مستنقعات على جانبي نهر الفرات، وقال: “السبب الكبير هو التلوث في المياه الخامية مما يؤدي إلى انتقال التلوث إلى المياه الصافية أو مياه المحطات، بالإضافة إلى تشكل المياه الآسنة والمستنقعة على جانبي النهر”.
وأضاف: “في الأسبوع الفائت تم ملاحظة انخفاض واضح وشديد في منسوب النهر. لدينا جولات من خلال دائرة الرصد البيئي والمخابر على النهر، الجولات تستخدم عدة مهام، المهمة الأولى هي قطع العينات وتحليلها في المخبر البيئي لملاحظة العكارة وعناصر المياه الفيزيائية والكيميائية”.
وبيّن العيفان إن الجولات كشفت عن تلوث نسبي، وارتفاع في درجات العكارة، مشيراً إلى أن المنسوب بدأ يرتفع بشكلٍ تدريجي، دون مؤشرات تؤكد مدى استقراره، وأضاف: “انخفاض منسوب النهر يؤدي إلى تشكُّل مستنقعات على الضفاف، ما يشكل بيئة خصبة للحشرات، ويزيد من فرص التلوث في ظل درجات حرارة مرتفعة”.
محطات ضخ عاجزة وشبكات مياه متأثرة
من جانبه، حذّر الرئيس المشترك لمديرية مياه الرقة المهندس “حسين الجرجب”، من أن تراجع منسوب الفرات أثر على العديد من محطات مياه الشرب بين محطة الصراج ومحطة ريش، مشيراً إلى أن أغلب المضخات أصبحت خارج الخدمة، تارةً تدخل وأخرى تخرج من الخدمة بسبب التغيرات المتواصلة في مستوى المياه.
وأردف الجرجب إلى: “شبكات المياه في الريف والمدينة تعاني من ارتفاع نسبة العكارة، ما انعكس على جودة المياه، قمنا بتفعيل المخبر المركزي وتكثيف الجولات لتقييم العينات وتقديم تقارير عاجلة لوحدة مياه المدينة، ويتم على إثرها توجيه ورشات مسائية لغسل الشبكات”.
وتابع: “نسبة العكارة ظهرت لدينا منذ عامين أيضاً، ولا تزال المشكلة مستمرة. رغم ضخ المياه المستمر للأهالي، إلا أن جودة المياه ما تزال تشكل تحدياً كبيراً، لا نعلم إذا كان هناك حل قريب، ولكن نعمل ضمن الإمكانيات المتاحة بناءً على كمية المياه الخارجة من السد”.
واختتم الرئيس المشترك لمديرية مياه الرقة والمهندس “حسين الجرجب”، حديثه بدعوةٍ مباشرة للسكان: “في ظل هذا الانخفاض، ندعو الأهالي إلى ترشيد استخدام مياه الشرب، وتجنب استخدامها لأغراض الري أو الغسيل المفرط”.
الموسم الصيفي تحت التهديد
أما عضو مكتب التنظيم لاتحاد الفلاحين في الرقة “هويدي الشواخ”، فقد عبّر عن القلق الكبير الذي يخيّم على واقع الزراعة قائلاً: “بالفترة الحالية تم الانتهاء من الترخيص الشتوي لعام 2025، وحالياً يحضّر للترخيص الصيفي، لكن المشكلة قد تؤثر سلبياً على كامل المواسم”.
وزاد: “كل سنة نواجه المشكلة نفسها، وتؤثر بشكلٍ مباشر على المزروعات والفلاحين، كثير من الفلاحين يتركون الأرض بسبب نقص المياه، بالموسم الشتوي كانت نسبة الزراعة 65%، أما الصيفي فلا تتجاوز 18%، والسبب يعود لنقص المياه بشكلٍ واضح”.
وأوضح أن هناك جهوداً مشتركة مع لجان الزراعة لتوصيل المياه، لكن الكثير من المزارعين اضطروا للتخلي عن تشغيل المولدات التي تعمل على نفقتهم الخاصة.
إدارة الأزمة بحاجةٍ لتعاون مجتمعي وإقليمي
في ظل هذا الواقع المعقد، تبدو الحاجة مُلحة لتكاتف الجهود، ليس فقط محلياً، بل على المستوى الإقليمي، لضمان حقوق الأهالي في إقليم شمال وشرق سوريا المائية، كما يؤكد المختصون أن الحلول لا تقتصر على معالجة النتائج، بل تتطلب سياسات استباقية تتضمن تطوير تقنيات الري، وزيادة التخزين، وتفعيل الرقابة البيئية.
حتى ذلك الحين، يبقى السكان بين مطرقة العكارة وسندان العطش، بينما يكافح الفلاحون للإبقاء على أراضيهم حيّة رغم كل ما يواجهونه من تحديات.