خيري باران
أحدث نداء القائد عبد الله أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي تأثيراً كبيراً ليس فقط على كردستان وتركيا، بل وعلى الشرق الأوسط بأسره؛ لأنه أفضل من شرح وحلل تاريخ وواقع الشرق الأوسط علمياً وفلسفياً، وقدّم الحلول.
ويبدو أنّ سياسات نظام الحداثة الرأسمالية في هذه المنطقة والمستمرة منذ قرون، لن تعود كالسابق بعد هذا النداء التاريخي.
لقد جلب النظام الرأسمالي والقوى المهيمنة في العالم كارثة كبيرة على شعوب المنطقة، من خلال وضع حدود الدول القومية قبل قرن من الزمن، أو بعبارة أخرى، أحاطوها بسلاسل من نار. فمن خلال إنشاء أنظمة ذات عقلية شريرة وفاسدة، انتهجوا سياسات المجازر، التجويع، النفي وغيرها ضدّ الشعب. وهذا ما قيّد الشعب وجعلهم يبحثون عن حلول ومنقذين للخروج من هذا الوضع المزري. وأحدث نضال الشعب الكردي في سبيل الحرية والتحرر الوطني المستمر بقيادة القائد عبد الله أوجلان منذ نصف قرن، العديد من التغييرات المهمة في المنطقة.
لقد أيقظ هذا النضال شعوب المنطقة ودفعهم للبحث والتحقيق ضدّ نظام العبودية الذي أقيم في المنطقة. ولا ترى شعوب المنطقة خلاصها إلّا في القيم الأساسية كالسلام والحرية والديمقراطية، ويتطلّب تحقيق ذلك نضالاً صعباً، وقد جرى هذا النضال في كردستان ومهد الطريق للثورة الفكرية في الشرق الأوسط.
ومع نداء السلام والمجتمع الديمقراطي لن يبقى شيء في كردستان والمنطقة كما كان، فبعد مرور شهرين على توجيه القائد لهذا النداء التاريخي، أضحى تأثيره في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا واضحاً. وأصبح الجميع الآن، منظمات ودول تناقش هذا النداء وتريد مراجعة أوضاعها وإعادة النظر فيها في ضوء هذا العصر الجديد.
ولن تتحرّر تركيا وسوريا وإيران والعراق من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ما لم تقم بحل القضية الكردية، فالشروط الأساسية والرئيسة لدمقرطة هذه الدول وتطورها هي الاعتراف بحقيقة الشعب الكردي، ولهذا لم تعد هذه الدول قادرة على تحمل هذا العبء الثقيل، ونظام الحداثة الرأسمالية الذي له الدور والمسؤولية الكبرى في نشوء القضية الكردية لم يعد قادراً على تحمل هذا العبء، ومن هنا فإنّ حل القضية الكردية أصبح الآن قضية ملحّة بالنسبة للجميع.
إنّ الطريق لحل القضية الكردية يكمن في دمقرطة هذه الدول، ويرشد نداء القائد عبد الله أوجلان “السلام والمجتمع الديمقراطي” إلى الطريق لتحقيق ذلك، ومن أجل التغلب على العنصرية والفاشية المتجذرة في عقلية الدولة القومية، يجب أن نفهم مضمون هذا النداء التاريخي جيداً.
وبهذا النداء التاريخي سيعود الشرق الأوسط إلى أصوله وجذوره، وسيتحقق فيه السلام والحرية والديمقراطية التي غابت عنه لقرون عدة.