الحسكة/ محمد حمود ـ في ظل التحديات التي تواجهها سوريا، يبرز الأدب جسراً للتواصل وتعزيز الوحدة بين مكوناتها المتنوعة. الأسبوع الأدبي الرابع الذي نظمه ديوان الأدب في الحسكة بمشاركة أدباء من مختلف المناطق، مثل فرصة لإحياء الحوار الثقافي وإبراز دور الإبداع في تجاوز الأزمات. هذه الفعالية لم تكن مجرد لقاءات أدبية، بل تأكيداً على إرادة الحياة وصمود الهوية في وجه التشرذم.
أقام ديوان الأدب في إقليم شمال وشرق سوريا أسبوعه الأدبي الرابع، الذي شهد هذا العام مشاركة واسعة من أدباء ومثقفين من مختلف المدن السورية، بما في ذلك اللاذقية وحمص، بالإضافة إلى وفد من هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية لمقاطعة الجزيرة.
انطلقت الفعاليات في صالة كافتيريا الخابور بحي تل حجر بمدينة الحسكة، وتستمر ستة أيام، من الثالث من أيار حتى الثامن منه 2025، بمحاور ثقافية ونقدية وشعرية متنوعة.
انطلاق الفعاليات بكلمة ترحيبية وتكريم لروح “زيلان حمو”
بدأ اليوم الأول من الأسبوع الأدبي، السبت الثالث من أيار، بكلمة ترحيبية ألقتها الإدارية في ديوان الأدب، بوطان هوشي، التي رحبت بالحضور من مختلف الثقافات في المنطقة، وأهدت الفعالية هذا العام لروح الفنانة السينمائية الراحلة زيلان حمو، واصفتها “الفتاة المثالية”.
وأكدت بوطان هوشي في كلمتها، إن “ديوان الأدب يجمعنا على طاولة واحدة، لنؤكد أن الثقافة والأدب هما الجسر الذي يربط بين مكونات المجتمع السوري، رغم التحديات”.
محاضرة حول تحديات الانفتاح والتعاون الأدبي في سوريا
تلت كلمة الافتتاح محاضرة بعنوان “تحديات الانفتاح وآفاق التعاون الأدبي في سوريا بعد التغيير”، أدارها الكاتب والشاعر ضياء إسكندر، الذي تناول فيها دور الأدب ليس فقط أداة جمالية، بل مرآة تعكس واقع المجتمع وتكشف آلامه وتضيء زواياه المعتمة.
وأوضح إسكندر: إن “الأدب هو التعبير الإنساني الراقي عن التجربة البشرية، بما يحمله من مشاعر وأفكار تنتقل باللغة بطرق جمالية ورمزية”. كما تطرق إلى واقع الأدب السوري في ظل التحولات التي شهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن الأدباء يواجهون تحديات كبيرة، لكنهم قادرون على خلق مساحات جديدة للحوار والتفاعل الثقافي.
بعد المحاضرة، فُتح باب النقاش أمام الحضور، حيث طرح العديد من الأسئلة حول دور الأدب في تعزيز الوحدة الوطنية، وإمكانية خلق حركة أدبية مشتركة بين مختلف المناطق السورية.
مقتطفات شعرية باللغتين الكردية والعربية
اليوم الأول اختتم بفقرة شعرية، حيث ألقى الشاعران دلسوز إبراهيم وآراس قاسم قصائد باللغة الكردية، بينما قدم الشاعران أحمد عبد الرؤوف وإبراهيم شاكر قصائدهما باللغة العربية، في إطار يعكس التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز المنطقة.
وفي السياق، أعرب العديد من المشاركون والحضور عن تفاؤلهم بإمكانية أن تشكل مثل هذه الفعاليات نواة لتجمع أدبي دائم، يعمل على تعزيز الحوار بين المثقفين السوريين، ويساهم في إعادة إحياء المشهد الثقافي بعد سنوات من الحرب والتشرذم.
إلى ذلك؛ وفي ختام مشاركته، عبّر الشاعر آراس قاسم عن إعجابه الكبير بمستوى التنظيم وطبيعة الحوارات الأدبية والثقافية التي شهدتها الفعالية. وأكد في حديث خاص لصحيفتنا “روناهي” أن مثل هذه المبادرات “ليست مجرد نشاطات ثقافية، بل رسالة مقاومة وإصرار على الحياة”.
وأردف قاسم: “ما شهدناه هنا في الحسكة خلال انطلاق الأسبوع الأدبي كان دليلاً واضحاً على أن الإبداع لا يمكن أن يموت، حتى في أكثر الظروف قسوة. نحن شعوب هذه المنطقة عشنا حروباً وتهميشاً وحصاراً، ولكننا لم نتخلَّ عن حلمنا في بناء مستقبل أفضل، والأدب هو أحد أهم أدواتنا في هذا البناء.”
وأضاف: “عندما نلتقي هنا من مختلف المدن السورية، ومن خلفيات ثقافية ولغوية متنوعة، فإننا نرسل رسالة للعالم بأننا لسنا ضحايا فحسب، بل صنّاع ثقافة وحضارة. هذه الفعاليات تثبت أن الإرهاب لم يقتل إنسانيتنا، وأن الحروب لم تستطع أن تسرق أحلامنا”.
وعند سؤالنا عن دور الشعر في ظل الأزمات التي تمر بها سوريا، أجاب قاسم: “الشعر ليس كلمات جميلة تُقال في الأمسيات فقط، بل هو صوت المهمشين، صوت الذين لا يسمعهم أحد. عندما أكتب قصيدة عن الألم، أو عن الحب، أو عن الأرض، فإنني أحوّل المعاناة إلى جمال، وأحول اليأس إلى أمل. هذا هو دورنا بأن نكون أصحاب رسالة”.
وتابع: “في شمال وشرق سوريا، حيث عانى الناس من الاحتلال والإرهاب والتهميش، يأتي الأدباء ليقولوا: نحن هنا، ولن نختفي. قصائدنا هي سلاحنا الهادئ، لكنها قوية، لأنها تبقى حين تزول المدافع”.
ثناء على التنظيم ودعوة لمزيد من الفعاليات
الشاعر آراس قاسم أشاد بالجهود الكبيرة التي بذلها منظمو الأسبوع الأدبي: “تحية للقائمين على ديوان الأدب، لأنهم وفرّوا لنا مساحة آمنة للحوار والتعبير. مثل هذه الفعاليات تحتاج إلى دعم أكبر، لأنها تُظهر الوجه الحقيقي لسوريا وجه التنوّع والتسامح والإبداع”.
كما دعا إلى تعميم هذه التجربة في مدن أخرى: “نحتاج إلى أسابيع أدبية في قامشلو، والرقة، ودير الزور، والمدن السورية الأخرى. الأدب يجب أن يكون جسراً يربط بين السوريين، لأنه يعبر عن آمالنا المشتركة، وليس عن خلافاتنا”.
وفي ختام حديثه، وجه الشاعر آراس قاسم رسالة للشباب السوري: “لا تسمحوا لليأس أن يقتل أحلامكم. اقرؤوا، اكتبوا، عبّروا عن أنفسكم. التاريخ لا يذكر الأسماء التي استسلمت، بل يذكر تلك التي تحدّت الظروف وصنعت التغيير. أنتم مستقبل هذا البلد، والأدب هو أقوى أدواتكم”.
محاور الأسبوع الأدبي
ومن الجدير بالذكر أن الأسبوع الأدبي سيتضمن ثلاثة محاور رئيسية، خُصص لكل منها يومان:
- دور الأدب في تعزيز الحوار والتبادل الثقافي في سوريا: آفاق وتحديات: يناقش هذا المحور كيفية توظيف الأدب أداة للتواصل بين المكونات السورية المختلفة، وما التحديات التي تواجه هذا الدور في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية.
- قضايا المرأة والأدب في سوريا: يُسلط الضوء على إسهامات المرأة السورية في المشهد الأدبي، والعقبات التي تواجهها، سواء على مستوى النشر أو التعبير عن قضاياها الخاصة.
- قضايا النقد الأدبي: يتناول هذا المحور واقع النقد الأدبي في سوريا، ومدى تأثره بالتحولات الاجتماعية، إضافة إلى مناقشة المدارس النقدية الحديثة ومدى توافقها مع الإنتاج الأدبي المحلي.