الطبقة/ عبد المجيد بدر –وقف الفنان “مهند علاء الدين”، القادم من اللاذقية، إلى جانب زملائه من القنيطرة والرقة وكوباني، في بهو المركز، كافتيريا شمس بمدينة الطبقة، يتبادلون أطراف الحديث حول تجاربهم الفنية وواقع الفن في مناطقهم المختلفة. بالنسبة إليه، كان الملتقى مساحة لقاء نادرة، تتجاوز حدود الجغرافيا والواقع المعيشي المنهك، جمعتهم فيها اللوحات كما لم تفعل السياسة أو الظروف.
أما “زمزم الحاج“، الفنانة المشاركة من القنيطرة، فرأت في الملتقى فرصة للحديث بلغة بصرية يتقنها الجميع: “وجود هذا الكم من الفنانين من مختلف المدن السورية أعاد إليّ شعور الانتماء إلى بلد متنوع وقادر على الحياة”. وتضيف أن التفاعل الثقافي داخل الفعالية “يتجاوز اللوحة إلى بناء علاقات إنسانية ومهنية طويلة الأمد”.
منصة ثقافية جامعة
يُعدّ “ملتقى الفن التشكيلي الخامس”، الذي تنظمه هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية، تجربة فنية واجتماعية فريدة في سوريا ما بعد الحرب. فهو لا يكتفي بجمع الفنانين تحت سقف واحد، بل يخلق حوارًا بصريًا مباشرًا بين مختلف مناطق البلاد، في محاولة لإعادة صياغة المشهد الثقافي على أسس تعددية.
تحت شعار “على إيقاع ألوان سورية”، يستعيد الفن دوره بعيدًا عن الانقسامات؛ لأنه من الفعاليات القليلة التي تسمح بتقاطع المسارات الفنية والانتماءات الثقافية في سياق سلمي ومنظم.
وفي حديثها لصحيفتنا “روناهي” أكدت الرئيسة المشتركة لهيئة الثقافة والفن لإقليم شمال وشرق سوريا “سرفراز شريف“: “إن الملتقى يكتسب قيمة مضاعفة هذا العام بسبب الامتداد الجغرافي الواسع للمشاركين”.
وأضافت: “لدينا فنانون من الجنوب والشمال، من الساحل والداخل، يجتمعون في مكان واحد ليقدموا سوريا كما يجب أن تكون: متنوعة، وموحدة، وغنية بألوانها”.
وأشارت إلى أن الدعم المقدم للفنانين يهدف إلى “خلق بيئة محفزة على الإنتاج، وتشجيع الفنانين على الاستمرار في ظل ظروف اقتصادية صعبة”، مضيفة، إن “الفن ليس ترفًا، بل ضرورة لإعادة بناء الإنسان”.
مشاركات فنية وثقافية
انطلقت أولى دورات الملتقى في كوباني عام 2017، ثم في الشهباء (2019)، والطبقة وقامشلو (2021)، قبل أن تعود هذا العام إلى الطبقة بدورة خامسة تُعد الأوسع من حيث عدد المشاركين وتنوع مناطقهم.
هذا التراكم الزمني منح الملتقى مكانته كحدث ثقافي ثابت، خصوصًا مع استمرار حضور فنانين من دمشق، والحسكة، والقنيطرة، والرقة، واللاذقية، وتنوع الأعمال المعروضة التي تعكس أساليب وتقنيات متعددة.
يرى الفنان “مهند علاء الدين” أن هذه الفعاليات، رغم أهميتها، ما تزال بحاجة إلى انفتاح أوسع يشمل فنانين من المدن الكبرى والمؤسسات الثقافية الرسمية: “هناك فجوة حقيقية بين مشهد الفن في دمشق مثلًا وما يجري هنا”، مشددًا على ضرورة بناء جسور أكثر انتظامًا لتكريس التواصل الفني على المستوى الوطني”.
ويضيف: “الملتقى لا يحل المشكلات، لكنه خطوة على الطريق المأمول. نحن بحاجة إلى دعم مؤسساتي وتعليمي مستمر للفنانين في الأطراف، كي لا تبقى هذه الفعاليات مناسبات مؤقتة سرعان ما تتلاشى”.
الفن يتجاوز الانقسام
يبقى “ملتقى الفن التشكيلي” محاولة واقعية لجمع السوريين تحت سقف واحد بالفن، في وقت ما تزال فيه المسافات طويلة بينهم على أكثر من صعيد. ومع ذلك، كما يعتقد بعض المشاركين، فإن اللوحة أحيانًا تقول ما تعجز عنه الكلمات، وتبني ما عجزت عنه السياسات.