قامشلو/ رفيق إبراهيم ـ في الثالث من أيار 2025، ترجل فارس من فرسان السلام، والحقيقية، والديمقراطية، والنضال، عن صهوة جواده، الذي طالما ناضل من أجل قضيته وشعبه دون كلل أو ملل، وأمضى جل حياته في سبيل الحقوق المشروعة للشعب الكردي، والشعوب التركية، فكان خير من مثل قيم الحرية والمقاومة والديمقراطية، وخير رسول بلغ الرسالة بأمانة، وبروح من المسؤولية التاريخية، وكان يصل نهاره بليله كي ينقل حقيقة معاناة شعبه، إلى الجهات المعنية في الداخل والخارج، ولم ييأس يوماً بأن عملية السلام لا بد أن تتحقق ولو بعد حين، وكان على يقين بأن الآلام ستنتهي وستحل محلها الحرية والديمقراطية والأمن، والعيش الحر الكريم.
سري سريا أوندر مسيرة حافلة
وُلد عضو وفد إمرالي، والنائب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب سري سريا أوندر في السابع من تموز1962 في مدينة سمسور بباكور كردستان، من عائلة ذات أصول تركمانية، والده كان عضواً في نقابة العمال، وكان ناشطاً في الشؤون الاجتماعية، ما هيأ الأرضية لانخراطه في النضال السياسي منذ شبابه، تلقى تعليمه الابتدائي في سمسور، وتخرج من كلية الإعلام والنشر في جامعة أنقرة.
في عام 1976، خلال شبابه، تعرف على القائد عبد الله أوجلان؛ ما جعله يقترب تدريجياً من الحراك السياسي الكردي، وأدى إلى تحول كبير في مسيرته وهويته السياسية، خلال السنوات اللاحقة، وبعد انقلاب 12 أيلول 1980، تم اعتقاله بسبب نشاطه السياسي، وأمضى سنوات طويلة في السجن تعرّض خلالها لتعذيب شديد؛ ما عزز صلابته السياسية والإنسانية.
كرّس سري سريا أوندر، حياته للعمل السياسي والاجتماعي، وانعكست هذه الروح النضالية في أعماله الفنية، دخل السياسة بقوة في انتخابات 2011 في إسطنبول، مرشحاً مستقلاً مدعوماً من تحالف “العمل، والديمقراطية، والحرية”، وانتُخب عضواً في البرلمان. كان أحد مؤسسي حزب الشعوب الديمقراطي، وخلال الانتخابات الأخيرة مثّل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، ودخل البرلمان مجدداً، وتولى لاحقاً منصب نائب رئيس البرلمان التركي.
تميز أوندر، بخطابه الواضح والصريح، حيث ركز على قضايا الكرد، وحقوق العمال، وحرية الصحافة، وحقوق المرأة، والمشكلات البيئية، وكان دائماً مدافعاً عن المهمشين وصوتاً للعدالة في وجه الظلم، ما عرضه مراراً للسجن والملاحقة. كما كان له حضور قوي في عالم الفن، والسينما، حيث قدّم العديد من الأفلام، والقصص القصيرة، التي وجه من خلالها رسائل سياسية واجتماعية هادفة.
كان أوندر، من الوجوه البارزة في مفاوضات السلام، وخاصة عندما بدأت مسيرة الحل السياسي عام 2013، حيث شارك في المفاوضات المباشرة مع القائد عبد الله أوجلان في جزيرة إمرالي، وكان من أبرز الشخصيات الداعية لبناء سلام اجتماعي حقيقي، وفي نوروز 2013 في آمد، قرأ رسالة القائد عبد الله أوجلان التاريخية أمام الملايين، ليصبح بذلك رمزاً لمبادرة السلام، وفي عام 2025، كان ممن لعبوا دوراً بارزاً في عملية السلام، وزار إمرالي عدة مرات، للوصول إلى حل مستدام بين الكرد وتركيا.
أمضى أوندر سنوات طويلة في سجون دولة الاحتلال التركي وتعرض خلالها لانتهاكات شديدة، كان لها أثر كبير على صحته، ومنذ عام 2020، بدأت حالته الصحية بالتدهور، خاصةً بعد ظهور مشاكل في القلب والتغذية، ورغم معاناته الصحية، لم يتوقف عن العمل، حيث واصل زيارة اللجان، والمراكز التعليمية، وشارك في محاضرات، وكان حاضراً في المجتمع المدني، رغم مرضه، ودعم نداء السلام والمجتمع الديمقراطي الذي أطلقه القائد عبد الله أوجلان، بكل قوة.
في 15 نيسان 2025، تعرض أوندر لأزمة قلبية مفاجئة، وتم نقله إلى المشفى، لكن حالته تدهورت تدريجياً رغم التدخلات الطبية، وبعد 18 يوماً من العلاج في مستشفى فلورنس نايتينجنل، توفي في الثالث من أيار 2025 عن عمر ناهز 62 عاما.
رسالة تعزية القائد عبد الله أوجلان
بعد انتشار خبر وفاة سري سريا أوندر، كان من أوائل المعزين، القائد عبد الله أوجلان، وكتب رسالة تعزية قال فيها: “الهوية الأناضولية والتركمانية فقدت ابنا كبيرًا، لقد كان هوية وثقافة حقيقية للسلام، وهذا الأمل لن يموت أبدًا”.
وتابع: “لقد أحزننا رحيل السياسي العزيز سري سريا أوندر، كان شخصًا عظيمًا، وكان بالفعل ابنًا حقيقيًا لشعبه، الهوية الأناضولية والتركمانية فقدت ابناً كبيرًا، وبرحيله فقدت مجتمعاتنا وشعوبنا رجلاً كبيرًا كان مصدر قوتها وتاريخها، أرسل تعازيّ الحارة برحيلة المحزن”.
وأشار: “أتذكر بكل احترام ما جرى خلال لقائنا الأخير في 27 شباط، حيث طلب أن يقرأ بنفسه الفقرة الأخيرة التي كنت قد أضفتها للدعوة، كان يمتلك عقلية حريصة على السلام، وكان يسعى لتحقيقه بكل إرادة وقوة، وكان باستطاعته تحويل جميع الأطراف المعادية إلى أطراف صديقة، نتيجة حنكته ومرونته”.
وأوضح: “كان يدرك جيدًا، أن عملية السلام ستحقق الفائدة لنا جميعاً، وكانت من أمانيه الكبرى، لكن الأمل لن يموت أبدًا في تحقيق ما كان يصبو إليه، من المهم أن نتمكن من تحقيق أمانيه في السلام والديمقراطية، وأن نطلق عليها اسم سري سريا أوندر”.
واختتم القائد عبد الله أوجلان، رسالته: “مرة أخرى، أعبّر عن تعاطفي الكبير في ذكرى برحيله؛ وأتقدم بالتعازي إلى عائلته، ورفاقه، وأصدقائه، وشعوبنا الأعزاء، ونتمنى للجميع الصحة والعافية”.
رحيله ترك أثراً بالغاً وكبيراً
ومن جانبه، أكد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في تدوينة نشرها على منصة أكس، يوم السبت الثالث من أيار 2025، قدم من خلالها تعازيه الحارة لعائلته، ورفاقه، ولحزبه: إن “جهود النائب الراحل عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، سري سريا أوندر، ستبقى خالدة في ذاكرة الشعوب، وذلك تقديراً لدوره لإنجاح عملية السلام في تركيا.”
ولفت: “ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة سري سريا أوندر، السياسي وعضو وفد إيمرالي، ومن هنا، أتقدم أحر التعازي لعائلته، وأصدقائه، وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، ومحبي السلام”.
وأشار إلى أن “جهود أوندر من أجل عملية السلام والتعايش ستظل راسخة في عقول وقلوب الشعوب”.
وأعرب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، عبر برقية تعزية، عن تعازيه الحارة بوفاة النائب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وعضو وفد إمرالي سري سريا أوندر، جاء فيها:” تلقّيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة الشخصية والسياسي البارز، وعضو وفد إمرالي لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، نائب رئيس البرلمان التركي، سري سريا أوندَر”.
وتابع: “لقد كرّس الراحل سري سريا أوندَر، الذي كان عضواً في وفد إمرالي، جزءاً كبيراً من حياته للنضال السياسي والسلمي، وجهوده في سبيل إيجاد حل سلمي في تركيا محل تقدير بالغ”.
واختتمت البرقية: “أتقدم بالتعازي والمواساة إلى عائلة، وأصدقاء، ورفاق ومعارف الراحل، سري سريا أوندَر، وإلى قيادة وأعضاء وأنصار حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وأشاركهم الأحزان بوفاته، وأسال الله تعالى أن يتغمد روح الفقيد، بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويلهم الجميع الصبر والسلوان والسكينة”.
وأرسل العديد، من المسؤولين وقادة الأحزاب السياسية في باشور كردستان، برقيات تعزية، من بينها رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، ورئيس باشور كردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس الحكومة، مسرور بارزاني، ونائب رئيس الحكومة، قوباد طالباني.
الإدارة الذاتية: سيبقى الفقيد مصدر إلهام
الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، من جانبها، قدمت العزاء بوفاة عضو وفد إمرالي، والنائب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب سري سريا أوندر، عبر برقية تعزية، عبرت فيها عن حزنها العميق بتلقيها نبأ وفاته: كان سري سريا أوندر، أحد الشخصيات البارزة في النضال الديمقراطي، وعضو وفد إمرالي، الذي لعب دوراً محورياً في مساعي السلام والحوار الديمقراطي في تركيا والمنطقة”.
وبينت: “لقد كان الفقيد من الأصوات الجريئة التي عبّرت عن تطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية والعدالة، وكان مثالاً للسياسي والمثقف الملتزم، الذي آمن بالحل السلمي والديمقراطي للقضية الكردية، ووقف بشجاعة إلى جانب حقوق الشعوب المضطهدة، متحدياً السياسات القمعية والاستبدادية”.
وأكدت: أن “نضال سري سريا أوندر، سيبقى مصدر إلهام لنا جميعاً، في مسيرتنا من أجل بناء نظام ديمقراطي، يضمن الحقوق والحريات للشعوب والمكونات دون استثناء”.
واختتمت البرقية: “لقد خسرنا برحيله صوتاً حراً وعقلاً نيّراً، لكن إرثه النضالي سيظل حياً في ذاكرة الشعوب التي ناضل من أجلها”.
وفي السياق، تقدم 34 حزباً وقوى سياسية في شمال وشرق سوريا بالعزاء بوفاة سري سريا أوندر، وقالت عنه: “لقد كرس حياته من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية، والدفاع عن حرية الشعوب، وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة الحركة التحررية الكردية، والنضال السلمي”.
ولفتت: “نحن الأحزاب السياسية في شمال وشرق سوريا، تلقينا هذا النبأ الجلل بقلوب يعتصرها الألم، ونعبر عن أحر تعازينا وأصدق مواساتنا لعائلته الكريمة، ورفاقه في الحزب، ولأبناء الشعب الكردي، وللشعب التركي عامة”.
واستطردت: “لقد كان الفقيد من الشخصيات السياسية البارزة، وأحد الوجوه الأساسية في مسيرة النضال الديمقراطي، داخل تركيا، كما كان عضواً فاعلاً ومؤثراً في عملية السلام التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان، حيث لعب دوراً محورياً في بناء الجسور بين مختلف المكونات، وسعى دون كلل إلى تحقيق التفاهم والحل السياسي السلمي للقضية الكردية في تركيا”.
واختتمت الأحزاب السياسية: “إننا نفتقد اليوم مناضلاً كبيراً، وصوتاً حراً، ومساهماً صادقاً في مسيرة بناء مستقبل مشترك يسوده العدل والكرامة والسلام، نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه ورفاقه ومحبيه جميل الصبر والسلوان”.
ومن الجدير ذكره، أن جثمان عضو وفد إمرالي، عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، سري سريا أوندر، وري الثرى الأحد الرابع من أيار 2025، في مزار زينجيرلي كوي بمدينة إسطنبول.