الحسكة/ محمد حمود – تواجه مدينة الحسكة أزمة مياه حادة تفاقمت بسبب قطع دولة الاحتلال التركي لمياه محطة علوك بعد احتلال سري كانيه عام 2019، مما حرم أكثر من مليون ونصف المليون نسمة من المياه الصالحة للشرب. في هذا التقرير، ننقل آراء مواطنين من المدينة يروون معاناتهم اليومية ويطالبون بحلولٍ عاجلة لهذه الأزمة الإنسانية.
تشهد مدينة الحسكة بمقاطعة الجزيرة في إقليم شمال وشرق سوريا، أزمة مياه خانقة تفاقمت بفعل تعديات دولة الاحتلال التركي المتكررة على مصادر المياه، وخاصةً محطة علوك التي كانت تؤمّن المياه الصالحة للشرب لأكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
منذ احتلال مدينة سري كانيه عام 2019، بات قطع المياه أداة حرب ممنهجة تستخدمها دولة الاحتلال للضغط على سكان المنطقة، مما أدى إلى معاناة إنسانية وصحية واقتصادية غير مسبوقة؛ ورغم سقوط النظام البائد في أواخر العام الماضي وتسلّم سلطة دمشق إدارة شؤون البلاد؛ إلا أن الأمر لم يزدد إلا وبالاً.
في هذا التقرير، نستمع إلى آراء ثلاثة من مواطني الحسكة؛ “كوثر العيد”، “عيسى البشار”، و”مها الدرويش” الذين يروون تجاربهم اليومية مع هذه الأزمة ويطالبون بحلولٍ عاجلة.
معاناة يومية لتأمين شربة ماء
“كوثر العيد“، تصِفُ حياتها اليومية كـ” سباقٍ مع الزمن” لتأمين المياه. تقول: “أضبط منبه هاتفي عند الفجر لأكون أول من يصل إلى خزان المياه العام في الحي. أحياناً أنتظر ساعتين لملء جالونين لا يكفيان يوماً واحداً”.
تضيف كوثر إن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف سيزيد من احتياجات الأسرة للمياه، لكنها لا تستطيع تحمّل تكلفة صهاريج المياه الخاصة التي تتقاضى ما بين 30 إلى 35 ألف ليرة سوريّة مقابل خمسة براميل.
تشير كوثر إلى أن الخزانات العامة التي وُضعت كحلٍّ مؤقت لم تعد كافية بسبب الكثافة السكانية في الحي، “الناس يتشاجرون أحياناً على المياه بسبب الزحام، أشعر بالإهانة وأنا أقف في الطابور مع أطفالي، بينما كنا في السابق نحصل على المياه من الحنفيات في بيوتنا”.
تطالب كوثر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتدخّل العاجل لتشغيل محطة علوك وتحييدها عن الصراع، مؤكدةً إن “المياه حق إنساني وليست أداة للعقاب الجماعي”.
الأطفال وكبار السن يدفعون الثمن
“عيسى البشار”، من جانبه يصف الوضع بـ”الكارثي”، مشيراً إلى أن قطع مياه محطة علوك أثر بشكلٍ مباشر على صحة الأطفال وكبار السن. يقول: “ابني الصغير أُصيب بالإسهال الشديد الشهر الماضي بسبب مياه غير صالحة اشتريناها من صهريج خاص. لا نعرف إن كانت المياه نظيفة أم لا، لكن لا خيار أمامنا”.
يضيف البشار أن بعض أصحاب الصهاريج يستغلون الأزمة لبيع مياه ملوثة بأسعار مرتفعة، مما يزيد من المخاطر الصحية.
يروي البشار إن والدته المُسنة تعاني من صعوبة في الحركة، ومع ذلك تضطر للمساعدة في نقل المياه من الخزانات العامة إلى المنزل، “كبار السن لا يستطيعون تحمّل هذا العذاب، أمي تحتاج إلى مياه نظيفة لتناول أدويتها، لكننا نضطر أحياناً لاستخدام مياه الآبار المالحة في المنزل”.
يُدين البشار استخدام المياه كسلاح حرب، ويطالب المجتمع الدولي بالضغط على تركيا لوقف “هذا الإجرام”، مشيراً إلى إن “الصمت الدولي يشجع على استمرار هذه الجريمة”.
استغلال الأزمة يُثقِل كاهل المواطن
“مها الدرويش”، تسلط الضوء على الجانب الاقتصادي للأزمة تقول: “أسعار المياه المباعة في الصهاريج الخاصة ارتفعت بشكلٍ صاروخي؛ فكل خمسة براميل بـ 35 ألف ل.س. كيف يمكن لعائلة تعيش على دخل محدود أن تتحمّل هذه التكاليف؟”.
تضيف مها أن انخفاض قيمة الليرة السوريّة أمام الدولار زاد من معاناة الأهالي، حيث أصبح تأمين المياه عبئاً مالياً لا يُطاق.
تشير مها إلى أنها اضطرت لحفر بئر سطحي في فناء منزلها، لكن المياه المالحة تسببت في أعطال متكررة للغطاس، مما زاد من نفقاتها: “كل بضعة أشهر، أضطرُ لاستبدال الغطاس بسبب رداءة المياه، هذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم لإطعام أبنائي”.
تؤكد أن الأزمة ليست مجرد نقص في المياه، بل “حرب اقتصادية تستهدف كرامة الإنسان.” وتناشد المنظمات الإنسانية توفير حلول دائمة، مثل دعم مشاريع جر المياه وتحسين البنية التحتية.
جهود الإدارة الذاتية والمبادرات المحلية
في ظل هذه الأزمة، تبذل الإدارة الذاتية الديمقراطية جهوداً للتخفيف من معاناة الأهالي، فقد أطلقت مشروعاً لجر مياه نهر الفرات إلى الحسكة، بالإضافة إلى حفر 20 بئراً في ريف عامودا لتزويد المدينة بالمياه عبر خط أنابيب بطول 62 كيلومترا. ومع ذلك، يواجه المشروع تحديات تقنية، مثل انقطاع الكهرباء وانسداد الأنابيب بالأشنيات، مما يحد من فعاليته.
كما ساهمت مبادرات شعبية وعشائرية في دعم الأهالي، إلى جانب مساهمات من قوات سوريا الديمقراطية، لكن الصهاريج ليست حلاً مستداماً، خاصةً مع توقعات بجفاف الآبار خلال الصيف.
تحديات بيئية وسياسية
تتفاقم الأزمة بسبب عوامل بيئية وسياسية، فالمياه الجوفية في الحسكة غير صالحة للشرب بسبب ارتفاع نسب الشوائب، مما يجبر الأهالي على الاعتماد على مصادر بديلة غير آمنة. سياسياً، يُعتبر قطع مياه محطة علوك جريمة حرب، حيث تم قطع المياه، وسط صمت دولي يثير استياء الأهالي.
مطالب المواطنين والتطلعات المستقبلية
يجمع مواطنو الحسكة على ضرورة تدخّل دولي للضغط على تركيا لاحترام الاتفاقيات المتعلقة بحصص المياه. كما يطالبون بتعزيز مشاريع إدارة المياه المحلية وإعادة تأهيل البنية التحتية.
يقول عيسى البشار: “نريد حلاً دائماً، لا حلولاً مؤقتة تتركنا نعاني كل صيف”. بينما تؤكد مها الدرويش: “المياه ليست رفاهية، بل حق أساسي يجب أن يُحترم”.
خاتمة لا بد منها
تُعدُّ المياه حقاً إنسانياً أساسياً، لكنها تُستخدم بشكلٍ متزايد كسلاح حرب في الصراعات، مما يهدد حياة الملايين ويعمق المعاناة الإنسانية. في إقليم شمال وشرق سوريا، تُظهر التعديات التركية على مصادر المياه نموذجاً صارخاً لهذا الانتهاك.
هذا الفعل ليس مجرد انتهاك للقوانين الدولية، بل جريمة حرب تستهدف إذلال السكان وتهجيرهم قسراً. يعاني الأهالي من نقصٍ حادٍ في المياه، مما يدفعهم للاعتماد على صهاريج باهظة الثمن أو مياه آبار ملوثة، مهددين بأمراض مثل الإسهال، خاصةً بين الأطفال وكبار السن.
استخدام المياه كسلاح لا يقتصر على قطع التدفق، بل يشمل تجفيف نهر الخابور وتقليص حصة سوريا من مياه الفرات، مما أضر بالزراعة والاقتصاد المحلي، هذه السياسة تتعارض مع اتفاقيات دولية مثل بروتوكولات جنيف التي تحظر استهداف الموارد الحيوية.
يجب على المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة، الضغط على تركيا لتحييد محطة علوك ووقف هذه الجرائم. إن حماية المياه كحقٍ إنساني تتطلب إجراءات عاجلة، بما في ذلك فرض عقوبات على من يستخدمها كأداة حرب، لضمان كرامة الإنسان وحقه في الحياة.