د. يونس بهرام
في المشهد السوري المعقد والمتشابك، يبدو أن خيوط الصراع لم تعد تقتصر على التدخلات المحلية أو الإقليمية فحسب، بل بات من الواضح أن لتركيا بصمتها الخاصة في إعادة خلط الأوراق. كلما بدأت بوادر الاستقرار تظهر في الأفق، تظهر التحركات التركية كعامل مضاد، محاولاً دفع عجلة الفوضى مجددًا، وتظهر هذه التدخلات بوضوح في تصعيد اللهجة ضد مخرجات كونفرانس “وحدة الموقف والصف الكردي”، ما يعكس قلقًا متزايدًا من أي تقارب سوري – سوري لا ينسجم مع الأجندة التركية في الشمال السوري.
الصوت المفبرك… صناعة تركيّة
مع ظهور مؤشرات على تفاهمات بين سلطة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية؛ انطلقت فجأة حملة إعلامية وسياسية منظمة، أبرزها البيان الرئاسي ضد كونفرانس “وحدة الموقف والصف الكردي”، هذا البيان كان بمثابة رسالة واضحة تعكس محاولة ضرب أي تقارب بين السوريين خارج الإملاء التركي، ثم لاحظنا عودة “داعش” إلى النشاط في البادية السورية، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا قد أعادت تحريك أدواتها غير المباشرة في المنطقة للضغط على الأطراف التي تشارك في هذا التفاهم الجديد. كما تضاف إلى هذه التحركات فبركة الصوت في مطبخ الاستخبارات التركية الذي أجج الوضع في درزستان، لتظهر تركيا كعامل مؤثر في تحريك الصراع بشكلٍ غير مباشر.
سوريا على المقاس التركي
منذ بداية الأزمة السوريّة، لم تخفِ أنقرة رغبتها في فرض رؤية سياسية وأمنية تخدم مصالحها القومية. سواء من خلال دعم المجموعات المرتزقة، أو عبر إجهاض أي مشروع سياسي يشارك فيه الكرد بفعالية، تسعى تركيا إلى رسم مستقبل سوريا بما يتناسب مع مصالحها، فالوصفة التركية لسوريا تتطلب غياب العنصر الكردي من المشهد السياسي أو في أفضل الأحوال، تحجيم دوره، هذا ما يفسر التحركات الأخيرة لإفشال أي مخرج وطني جامع لا يخضع للرقابة التركية المباشرة.
إن استمرار تركيا في تأجيج الصراع، سواء عبر التدخّل العسكري المباشر أو من خلال توظيف الأدوات الإعلامية والسياسية والأمنية، يعمّق الأزمة السورية. فرهان أنقرة على كسر التوافقات المحلية وتقويض المبادرات السورية – السورية قد يكون رهانًا خاسرًا على المدى البعيد، ولن يؤدي سوى إلى مزيد من التفكك في بنية الدولة والمجتمع السوري، وهو ما يصب في مصلحة أعداء سوريا جميعًا، وليس فقط في مصلحة أنقرة.
الانتقام التركي عبر الوكلاء
تركيا التي سعت طويلاً لاختراق البادية السورية والوصول إلى مواقع استراتيجية مثل “تدمر” و”تيفور”، وجدت نفسها أمام خطوط حمراء دولية، لعل أبرزها الرفض الإسرائيلي لأي تمدد تركي في تلك المناطق الحيوية. في ظل هذا الفشل، ظهرت عمليات أمنية غامضة في مناطق مثل جرمانا وصحنايا، ترافق ذلك مع ترويج روايات إعلامية مفبركة لتبرير التصعيد، ما يثير تساؤلات حول الأطراف المستفيدة من خلط الأوراق مجددًا.
الهيمنة على القرار السوري عبر مجموعاتها المرتزقة
تسعى تركيا إلى فرض هيمنتها على سوريا من خلال مرتزقتها في المناطق التي تحتلها مثل عفرين والباب وجرابلس، كما تواصل تعزيز حضورها. ولسد الطريق أمام المحتل التركي تطبيق اللامركزية في سوريا هو الحلّ.
معاداة الإدارة الذاتية
أحد الأهداف الأساسية لتركيا في سوريا هو منع الكرد السوريين، خصوصًا في شمال شرق البلاد، من تشكيل كيان إداري أو سياسي قوي قرب حدودها الجنوبية ومعاداة الإدارة الذاتية بشعوبها المتعددة. أنقرة تخشى أن يؤدي هذا إلى نقل التجربة الرائدة إلى باكور كردستان وتركيا، وهو هاجس يهيمن على سياساتها الداخلية والخارجية.
موقع سوريا كطريق عبور للطاقة والتجارة
الجغرافيا السورية تجعلها بوابة حيوية بين الخليج وأوروبا. إبقاء سوريا ضعيفة يعني تقليص قدرة منافسين إقليميين مثل إيران وروسيا على تفعيل طرق نقل الطاقة أو مشاريع إعادة الإعمار الكبرى التي قد تمر عبر الأراضي السورية وتهمش الدور التركي.
الضغط على أوروبا بورقة اللاجئين
مع استمرار تأجج الصراع في سوريا، يزداد عدد اللاجئين السوريين، وهو ما تعتمده تركيا كأداة ضغط على أوروبا، هذه الورقة تسمح لأنقرة بالتفاوض مع الدول الأوروبية للحصول على تمويل أو غض الطرف عن سياساتها الداخلية والخارجية.
إضعاف المحور السوري ـ الإيراني ـ الروسي
سوريا القوية والمستقرة تُعدّ ركيزة مهمة في تحالف إقليمي لا تتناغم مصالحه مع مصالح تركيا، خصوصًا في قضايا شرق المتوسط والعراق وليبيا. إبقاء سوريا في حالة استنزاف يخدم تركيا من خلال إضعاف هذا المحور.
تركيا تسعى إلى فرض هيمنتها على سوريا وإعادة أمجادها العثمانية في الاحتلال وتقسيم الأراضي السورية. سوريا الضعيفة تُعتبر بمثابة فرصة استراتيجية لتركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة، وتحقيق أهدافها السياسية والأمنية عبر مرتزقتها.