كروب روناهي – يعدّ الأول من أيار يومياً عالمياً للعمال، ويحتفل به سنوياً في معظم دول العالم، تكريماً للطبقة العاملة ودورها في تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية. وفي سوريا، وبشكل خاص في مناطق شمال وشرق البلاد، يكتسب هذا اليوم طابعاً خاصاً في ظل تضافر جهود المعنيين في تحسين واقع الطبقة الكادحة وحماية حقوقهم.
يوم العمال العالمي، ليس مُجرد عطلة رسمية، بل هو يومٌ ذو دلالةٍ عميقةٍ بالنسبة للعمال في جميع أنحاء العالم. فهو يُجسد التقدير المجتمعي لجهودهم وتضحياتهم في بناء الاقتصادات والمجتمعات، ويعترف بدورهم المحوري في دفع عجلة التقدم والتنمية. يُمثل هذا اليوم فرصةً قيّمةً للعمال للتضامن والتكاتف فيما بينهم، للمطالبة بحقوقهم المشروعة، وتحسين ظروف عملهم، وللسعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية. إنه منبرٌ لرفع أصواتهم، والتعبير عن تطلعاتهم، ومناقشة التحديات التي تواجههم، والبحث عن حلولٍ فعّالة.
انتفاضة لأجل الحقوق
يعود اختيار الأول من أيار، كيومٍ عالميٍّ للعمال إلى أحداثٍ تاريخيةٍ هامةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً في مدينة شيكاغو عام 1886 ففي ذلك العام، شهدت المدينة إضراباً عمالياً واسع النطاق، للمطالبة بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً.
بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها فيما عُرف بـ “حادثة هايماركت”، حيثُ وقع انفجارٌ خلال مُظاهرةٍ سلمية، مما أدى إلى مقتل عددٍ من المُحتجين ورجال الشرطة. على إثر هذه الأحداث، تم إعدام عددٍ من قادة الحركة العمالية، الذين عُرفوا فيما بعد بـ “شهداء هايماركت”. وقد أثار هذا الحادث موجةً من الغضب والتضامن في أوساط الحركات العمالية حول العالم.
وفي عام 1889، قرر المؤتمر التأسيسي للأممية الثانية، وهو تجمعٌ للأحزاب الاشتراكية، إحياء ذكرى شهداء هايماركت، واختيار الأول من أيار يوماً عالمياً للعمال، كتعبيرٍ عن التضامن مع نضالهم من أجل حقوقهم، وفي مُقدمتها تحديد ساعات العمل. منذ ذلك الحين، يُحتفل بالأول من أيار في العديد من دول العالم، كيومٍ عالميٍّ للعمال، حيثُ تُنظم فيه المُظاهرات والمسيرات والفعاليات المختلفة، للمطالبة بتحسين ظروف العمل، ورفع الأجور، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
المطالبة بأجور عادلة
في السياق، أشار لصحيفتنا “روناهي”، أحد أهالي دير الزور “محمود العاكول”، إلى معاناة هذه الشريحة المُهمة من المُجتمع: “نرى أن واقع العمال اليوم مُعقدٌ ومتشعب، ويختلف من بلدٍ إلى آخر، ومن قطاعٍ إلى آخر. لكن، يُمكن القول إن هناك تحدياتٍ مُشتركةً تواجه العمال في مُعظم أنحاء البلد، كالبطالة، وانخفاض الأجور، وسوء ظروف العمل، وغياب الأمن الوظيفي، والتغيرات التكنولوجية المُتسارعة التي تُهدد بعض الوظائف التقليدية”. وأوضح العاكول: “في بلدنا، يُعاني العمال من ارتفاع تكاليف المعيشة، وقلة فرص العمل المُناسبة، وضعف تطبيق قوانين العمل، وغياب الحماية الاجتماعية الكافية. كما أن هناك فجوةً كبيرةً بين أجور العمال في القطاعين العام والخاص”.
وأضاف: “أشعر بالفخر لهذه الطبقة الكادحة، التي تُسهم في بناء وتطوير المُجتمع. لكنني أشعر أيضاً بالقلق إزاء المُستقبل، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهنا”.
ووجه رسالته: “على الجميع أن يتحد، أهالي وعمالاً وأصحاب عملٍ وجهاتٍ حكومية، من أجل بناء مُستقبلٍ أفضل للعمال، لضمان حياةً كريمةً لهم، وتعزيز دورهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
واختتم “محمود العاكول” حديثه، بأمل مستقبل أفضل وأمن للشريحة العاملة في المجتمع: “أتطلع إلى مُستقبلٍ يُوفر للعمال فرصاً مُتساوية، وأجوراً عادلة، وظروف عملٍ آمنة، وحمايةً اجتماعيةً شاملة. كما أتمنى أن تُسهم التكنولوجيا في تحسين ظروف العمل، لا في الاستغناء عن العمال”.
دور تنظيمات المجتمع الديمقراطي
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة، نتيجة سنوات الحرب والحصار، برزت أصوات داخل المؤسسات المدنية والسياسية تطالب بتمكين الطبقة العاملة، وتأمين فرص عمل مستدامة، وضمان التوزيع العادل للموارد والفرص. وأكد القائمون على هذه المؤسسات أن العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها دون مشاركة حقيقية للعمال في صنع القرار، وفي عملية التنمية والبناء.
وتُشكّل الطبقة الكادحة النسبة الكبرى من السكان في إقليم شمال وشرق سوريا، وغالباً ما ظلت بعيدة عن مواقع التأثير، رغم مساهمتها الفعلية في الأنشطة الزراعية، واليدوية، والإنتاجية. ومن هنا، تسعى اتحادات ومنظمات مدنية إلى تغيير هذا الواقع من خلال سياسات تهدف إلى خلق مسارات عادلة تتيح لهذه الفئة الدخول إلى المؤسسات، والمشاركة في آليات الإدارة من موقع الشراكة لا التبعية.
ومن جانبه؛ قال الرئيس المشترك لتنظيمات المجتمع الديمقراطي “خالد بركل”، إنهم يعملون بتنسيق مباشر مع مختلف مؤسسات الإدارة في المنطقة، لضمان مشاركة فاعلة للكادحين والعمال في شتى القطاعات. وأوضح أن هذه المشاركة لا تقتصر على التوظيف، بل تمتد إلى صناعة القرار والمساهمة في صياغة السياسات العامة.
وأوضح بركل: “نحن نبذل كل ما بوسعنا لخلق بيئة إدارية عادلة وشاملة. الهدف هو ألا تبقى الطبقة العاملة على هامش المؤسسات، بل أن تكون جزءاً منها. ولهذا نصرّ على أن تكون المسابقات التي تطرحها الإدارات شفافة وعادلة، بحيث تتيح لكل المتقدمين فرصة حقيقية، بعيداً عن المحسوبيات والتمييز”.
كما أشار إلى أن تنظيمات المجتمع الديمقراطي يرى في هذه الطبقة حجر الأساس لكل عملية بناء: “نحن نعلم تماماً أن العمال هم الذين يُضحّون، وهم الذين يحملون عبء البناء والإنتاج على أكتافهم. مهمتنا أن نمثل صوتهم، وأن نفتح أمامهم أبواب المؤسسات، حتى يُمارسوا دورهم الطبيعي في المجتمع”.
“نزور مواقع العمل ونستمع للعاملين عن قرب”
من جانبها، أكدت الرئيسة المشتركة لاتحاد الكادحين في الرقة “نشوى شريدة”، أن الاتحاد يولي اهتماماً خاصاً بمتابعة أوضاع العمال ميدانياً: “نحن نبدأ كل جهودنا من أرض الواقع. نذهب إلى أماكن العمل، نسأل، نستمع، ونتفاعل. نحاول حل المشاكل التي يواجهها العمال، ونسعى لتأمين بيئة تحفظ لهم كرامتهم وتقدّر جهودهم”.
وتابعت نشوى: “ننسّق مع المشرفين على مختلف القطاعات، ونعمل من أجل أن يكون للعمال مكان واضح ومُعترف به في خطط البناء والتنمية. كما نعمل على تنظيمهم ضمن ورشات ومواسم ومؤسسات إنتاجية، ليكون لهم دور فاعل ينعكس إيجاباً على المجتمع بأسره”.
كما عبّرت عن تقديرها العميق للعاملين والعاملات في المنطقة: “في هذا اليوم، نرفع التهاني لكل الكادحين، في سوريا، وفي شمالها وشرقها بشكل خاص. هؤلاء هم من يُضفون على الحياة معناها الحقيقي، وهم من يستحقون التكريم والاحترام، لأنهم ببساطة وقود الحياة وجوهرها”.
برامج ومبادرات… من الدعم النظري إلى التنفيذ العملي
تحاول تنظيمات المجتمع المدني والاتحادات العمالية ترجمة الدعم النظري للطبقة الكادحة إلى برامج عملية، تشمل التدريب المهني، ودعم المشاريع الصغيرة، وتوفير آليات شكاوى فعّالة. وتسعى هذه الهيئات إلى بناء شراكة مؤسساتية حقيقية مع العمال، ترتكز على حماية حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية.
ومن بين المبادرات التي يتم العمل عليها حالياً، تحديث قاعدة بيانات العمال، وتصنيفهم حسب التخصصات والاحتياجات، إلى جانب ورشات توعوية لشرح الحقوق والواجبات العمالية، والعمل على تطوير بيئة قانونية تضمن العدالة والشفافية داخل الورشات والإدارات.
وتبقى التحديات كبيرة، خصوصاً في ظل الواقع الاقتصادي المتردي، وضعف الإنتاج المحلي، وارتفاع معدلات البطالة. إلا أن القائمين على هذه المبادرات يرون في استمرار العمل النقابي والتنظيمي وسيلة لبناء توازن اجتماعي جديد، يُعيد الاعتبار للطبقة التي لطالما كانت أساس المجتمعات، دون أن تنال ما تستحقه من دعم واعتراف.
ومع بروز الإدارة الذاتية الديمقراطية كنموذج محلي، بدأ يظهر اهتمام واضح بضرورة تمكين الفئات التي عانت من التهميش، وعلى رأسها العمال. إلا أن الطريق ما يزال طويلاً، ويتطلب تضافر الجهود بين التنظيمات المدنية، والهيئات الإدارية، والمجتمع المحلي، لتتحول الشعارات إلى نتائج ملموسة تنعكس على حياة العمال وأسرهم.