سعت الفنانة “فاطمة المطوري” بهويتها تحويل المواد التالفة إلى أعمال فنية، مشيرةً إلى أنه بهذه الطريقة يمكن التخلص من التلوث والمحافظة على البيئة، فضلاً عن صناعة مجسمات فنية.
تحويل المواد التالفة أعمالاً فنية
في زوايا المدن المزدحمة، حيث تُرمى صناديق الكارتون بعد أن تنتهي مهمتها في التغليف والشحن، تلتقط الفنانة التشكيلية “فاطمة المطوري” تلك القطع المهملة، وتمنحها حياة جديدة، بريشتها وألوانها، لا ترسم فقط على الكارتون، بل تعيد كتابة الذاكرة وتُرمم ملامح مدينتها التي لا تزال تنبض بداخلها، بين الخطوط والظلال، تذوب الفكرة في الخامة، ويولد فن يحمل بين طبقاته قصة وطن، وصرخة جمال من قلب الهامش.
وفي الصدد، تحدثت “فاطمة” (37) عاماً من قضاء الفاو بمحافظة البصرة جنوب العراق عن بداية رحلتها الفنية: “بدأت رحلتي مع الرسم قبل فترة ليست بعيدة، لكن شغفي بالفن كان يسكنني منذ زمن بعيد، لم أكن أمنح هذه الموهبة حقّها في البداية، حتى بدأت أكتشف بداخلي طاقة دفينة، وموهبة حقيقية، ومهارة تنمو كل يوم، وجدت نفسي أُجذَب بشكل خاص لعالم الكرتون، فيه أجد متعة التعبير وحرية الإبداع، ومن هنا أدركت أنه عليّ أن أحتضن هذه الموهبة، أطورها، وأمضي معها نحو الأفضل”.
وتعدُّ منذ طفولتها الرسم عالمها الخاص: “كنت أقلّد الرسامين بشغف، أراقب التفاصيل، وأتابع كل ما يمتّ للفن بصلة، لم يكن مجرد هواية، بل كان شغفاً ينمو بداخلي مع كل خط وكل لون”.
وتطرقت، إلى بداية خوضها في عالم صناعة المجسمات والأشكال الفنية من الكرتون: “شدّتني فكرة الحفر على الكرتون، تقنية نادرة لكن مفعمة بالإبداع، فقررت أن أخوض فيها، رغم قلّة من يعمل به، بدأت برسم ملامح الشعراء والممثلين والمطربين الذين يحملون ملامحهم عبق الماضي، ثم شيئاً فشيئاً طوّرتُ مهارتي، فانتقلت من الرسم إلى عالم المجسمات وصناعة الديكورات، حيث يتحوّل الخيال إلى شكل ملموس، نابض بالحياة”.
وأشارت، إلى ركن خصصته داخل بيتها لتقوم بأعمالها الفنية: “كل فنان بحاجة لمكان يشعر فيه بالأمان، وبالسكينة، وبالانتماء، وأنا وجدت هذا المكان بين ألواني، وخاماتي، كان إلهامي الأول الكارتون، خامة بسيطة لكن تحمل بداخلي حكايات كثيرة، كنت أحبها منذ أيّام المدرسة، أُعيد تشكيلها، أحوّلها مجسمات وأفكاراً غريبة تنبع من خيالي، وما إن تقع عيني على قطعة كارتون، حتى تولد الفكرة، وتبدأ يداي بالتشكيل والعمل لتحويلها لوحة فنية ناطقة”.
أبرز التحديات
وعن أبرز التحديات التي واجهتها أوضحت فاطمة: “أحد أكبر التحديات في عملي هو التعامل مع خامة الكارتون، فهي ليست مجرد سطح أرسم عليه، بل كيان له متطلباته الخاصة، الكارتون يحتاج نوعية معيّنة، متينة، مقاومة للحركة، تتحمّل الحفر والنقش والتضليل، دون أن تفقد تماسكها أو تتأثر بالنقل المستمر، خاصة عندما أشارك في المعارض، أبحث دائماً عن النوع الذي يجمع بين القوة والمرونة، حتى أتمكن من تنفيذ فكرتي بحرية تامة، دون أن أضطر للتنازل عن التفاصيل الدقيقة أو جودة النتيجة النهائية، التعامل مع الكارتون بهذا الشكل هو فن بحد ذاته، ويمثّل لي تحدّياً أستمتع بخوضه مع كل لوحة جديدة، والتحدي الآخر هو تثبيت الألوان، فالكارتون مادة ورقية، لا يتحمّل الرطوبة أو الألوان الزيتية، لذلك، أعتمد بشكل أساسي على ألوان الأكريليك، التي تمنحني درجة من الثبات والمرونة، أستخدمها بدقّة، وبطبقات متعدّدة، حتى أصل للّون المطلوب أي الدرجة التي تعبّر عن فكرتي”.
وأما الأدوات التي تستخدمها في النحت والحفر، بينت أنها تستخدم شفرات متعدّدة الأشكال والأحجام: “كل واحدة منها تخدمني بطريقة معينة، زاوية، مساحة، أو عمق، كل منحوتة تحتاج أداة بعينها، لأن العمل على الكارتون يتطلب دقة، وعين تعرف كيف تخلق البُعد والظلّ من خامة بسيطة مثل هذه”.
أعمالها الفنية
وعن أعمالها الفنية قالت فاطمة: “كل عمل أُنجزه له مكانة خاصة في قلبي، لأنه يمثل فكرة جديدة، وأسلوباً مختلفاً، ولمسة خاصة بي، لكن تبقى اللوحة الأقرب إلى روحي، هي تلك التي جسّدت فيها قضاء الفاو، في هذه اللوحة، جمعتُ بين رموز من عمق المكان والانتماء، بدأت بخارطة البصرة، كإطار لهوية الجنوب، ثم وضعت بوابة الفاو، تلك التحفة المعمارية التي تُمثل رمزاً للفن والهندسة في آنٍ واحد، ولأن الفاو لا تُذكر دون البحر، أضفتُ سفن “اللنجة” الشهيرة، التي نعرفها جميعاً نحن أبناء الجنوب، دلالة على حياة البحر، والميناء، والبحّارة، وصيد السمك، وكل ما يربطنا بموروث هذا المكان الساحر، هذه اللوحة لم تكن مجرد رسم، بل كانت حكاية متكاملة، عن مدينة تنبض بالمياه، والفن، والحنين”.
وعن تأثير طريقة استخدامها الفنية للمخلفات الكارتونية ومدى تأثيرها على البيئة أشارت، إلى أن للفن تأثيراً كبيراً على الوعي البيئي، وعملي مع خامة الكارتون ما هو إلا محاولة بسيطة لصنع فرق، إعادة التدوير، سواء بالكارتون أو غيره، فبات اليوم مسؤولية، وليس هواية أو شغف فحسب، فالكثير من المبدعين والحرفيين وباتوا يعملون على تحويل المواد التالفة إلى أعمال فنية، وبهذه الطريقة نستطيع التخلص من التلوث ونحافظ على بيئتنا، وفي الوقت نفسه ننتج شيئا جميلا وملهما”.
مساهماتها الفنية
وأما عن مشاركتها أوضحت فاطمة، بأنها شاركت في العديد من المعارض، وخصوصاً المعارض التي كانت تتمحور حول إعادة التدوير، هذا النوع من الفعاليات يفتح آفاقاً جديدة، ويجمع بين الفن والوعي، ويعرض أعمالاً رائعة، كثير منها تجاوز الجانب الجمالي إلى جانب علمي وعملي الفعّال.
فيما لفتت الفنانة “فاطمة المطوري” في ختام حديثها إلى أنها لا تقيّد نفسها بفكرة واحدة: “التجديد والتغيير هما سر الاستمرار والإبداع، لأن تكرار الفكرة يولّد الملل، وأنا أبحث دائماً عن الدهشة، وطموحي أن أخرج بفني من حدود محافظتي، وأن أُشارك في معارض خارجية أُمثّل فيها قضاء الفاو ومحافظة البصرة، لأن الفاو مليئة بالمبدعين الذين يفتقرون للدعم، ويستحقون أن يُسلَّط عليهم الضوء، ويُذكر اسمهم في كل محفل”.
وكالة أنباء المرأة