روناهي/ الرقة ـ مرت مدينة الرقة بتحولات ثقافية حقيقية خلال العقد الماضي، فقد كانت من أبرز حواضن النشاط الثقافي في سوريا. والمدينة التي تنبض بالحياة الفكرية والفنية، وتتصدر المشهد الثقافي بمسارحها وأمسياتها الأدبية ومعارضها الفنية. إلا أنه مع بداية الأزمة السورية أدخلت الرقة في مرحلة تراجع تدريجي، لم تلبث أن تحولت إلى انهيار تام مع اجتياح مرتزقة “داعش” المنطقة.
وعمد الظلاميون من داعش إلى محاربة الثقافة، فأتلِفت الكتب، وأغلقت دور الثقافة، وحُظر التصوير والفعاليات الفنية، ما اضطر معظم المثقفين، من شعراء وكتاب وفنانين، إلى مغادرة المدينة بحثاً عن بيئة حرة تحتضن إبداعهم. وأصبحت الرقة، التي أنجبت رموزاً فنية وأدبية، مدينة صامتة خالية من النشاط الثقافي.
واستعادت الرقة أنفاسها الثقافية مجدداً مع تحريرها من سيطرة “داعش”، إذ بادرت الإدارة الذاتية إلى إعادة بناء المؤسسات الثقافية. وأنشأت مجدداً المسارح ودور الثقافة، وأطلقت ورشات لإصلاح المنشآت المتضررة. في فترة قصيرة.
وأعادت الإدارة افتتاح العديد من المؤسسات والمراكز الثقافية، وأطلقت نشاطات متعددة امتدت تدريجياً إلى مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، بل وبدأت تصل إلى مناطق أوسع ضمن البلاد. وأنشِئت مكاتب متخصصة مثل مكتب الأدب، ومكتب الفنون والموسيقا، ومكتب المسرح، ومكتب الرسم، وعملت هذه المكاتب بلا انقطاع لإحياء الحياة الثقافية وتوسيع رقعة انتشارها.
وتسعى فرق العمل الثقافية اليوم إلى تطوير الأداء باستمرار والبحث عن سبل جديدة لتجديد المشهد الإبداعي في الرقة، مع التركيز على دمج أكبر شريحة من المجتمع المحلي في هذا الحراك المتجدد، ببرامج ثقافية موجهة لمختلف الأعمار والفئات.
وفي حديثه لصحيفتنا “روناهي”، قال شواخ العلي، الإداري في مكتب الأدب بالمركز الثقافي في مدينة الرقة: “لقد أعدنا بناء ما يمكن في زمن قياسي. بدأنا من العدم، ثم وسعنا جهودنا في سعي منا لتشمل جميع المناطق السورية، وليس فقط شمال وشرق سوريا. كل المكاتب، من الأدب إلى المسرح والرسم والموسيقا، تعمل ليل نهار من أجل إعادة نشر الثقافة وتفعيل المشهد الثقافي والعودة به إلى مراكز الريادة والتميز”.
وأضاف العلي: “نحن ننجز أعمالاً كثيرة بوتيرة متسارعة في كل مناسبة، وهناك أعمال ثقافية انطلقت إلى خارج المنطقة وحققت نجاحاً وجماهيرية واسعة. ولا نزال نبحث عن الأفضل دائمًا، ونسعى إلى تجديد العمل الثقافي في المنشآت باستمرار”.
فتسارعت وتيرة النشاط الثقافي في الرقة خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت المناسبات الرسمية والاجتماعية تشكل منصات ثابتة لإطلاق فعاليات أدبية وفنية متنوعة. وقد تجاوزت بعض هذه الفعاليات حدود الرقة، لتشارك في محافل ثقافية خارجية، حيث لاقت أعمال المثقفين والفنانين إعجاباً جماهيرياً واسعاً.
بهذه الخطوات المتسارعة، تتجه الرقة إلى استعادة موقعها التاريخي منارة ثقافية في المنطقة، بعد سنوات عجاف من التدمير والتغييب. ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ما تزال تواجهها.
يؤكد القائمون على العمل الثقافي، أن الجهود مستمرة لتوسيع الحراك الثقافي، وتأمين بيئة حاضنة للإبداع، تُعيد للمدينة وجهها الحضاري الأصيل، وتُرسي قواعد نهضة ثقافية مستدامة للأجيال القادمة.