حسن رمو
شهدت الساحة السياسية الكردية يوم الـ 26 من نيسان الجاري لحظة فارقة في مسارها التاريخي مع انعقاد كونفرانس “وحدة الموقف والصف الكردي في روجآفاي كردستان”، الذي جاء كخطوة عملية استجابةً لنداء طالما انتظره الشعب الكردي، وكل دعاة الحرية والديمقراطية في سوريا، مجسداً لإرادة شعب ينشد تجاوز الانقسامات لملاقاة المستقبل بإرادة موحدة ورؤية وطنية جامعة.
في الـ 27 من شباط الفائت، أطلق القائد عبد الله أوجلان من سجن إمرالي نداءً هاماً بعنوان “نداء السلام والمجتمع الديمقراطي”، دعا فيه إلى نبذ الصراعات، وإعلاء قيمة التعايش السلمي، وإعادة صياغة العلاقات السياسية والاجتماعية على أسس الشراكة الديمقراطية. وشدد القائد عبد الله أوجلان في ندائه على أن الحل الحقيقي لمشكلات المنطقة لا يكمن في استنساخ أنظمة السلطة المركزية القديمة أو التورط في الصراعات الدامية، بل في بناء مجتمع ديمقراطي حر، يعترف بالتعددية، ويحتضن تنوعه كقوة لا كتهديد.
هذا النداء ليس نظرياً أو موجّهاً فقط للكرد، بل هو رؤية استراتيجية لكل شعوب المنطقة، وعلى رأسها سوريا المنهكة من الحرب المستمرة منذ 14 عاماً. وقد جاء كونفرانس “وحدة الموقف والصف الكردي في روجآفاي كردستان” يوم 26 نيسان ليترجم هذه الرؤية إلى خطوات عملية، حيث اجتمع ممثلو الأحزاب والقوى الكردية، مؤكدين التزامهم بخيار السلام والديمقراطية، واعتبار الوحدة الوطنية قاعدة أساسية للانطلاق نحو مستقبل مشترك.
وحدة الصف الكردي.. أكثر من مطلب قومي
وحدة الصف الكردي في سوريا اليوم ليست ترفاً سياسياً أو مطلباً قومي الطابع، بل أصبحت ضرورة وجودية تفرضها التحديات المتعاظمة. فالمشهد السوري لا يزال مأزوماً، والتدخلات الخارجية تتكالب لتفتيت ما تبقى من وحدة مجتمعية، بينما يقبع الشعب السوري، بكل مكوناته، بين مطرقة الفقر وسندان الاستبداد.
وفي هذا السياق، يتحمل الكرد، بوصفهم أحد المكونات الأصيلة في النسيج السوري، مسؤولية تاريخية مضاعفة: أولاً تجاه قضيتهم القومية، وثانياً تجاه مشروع التحوّل الديمقراطي في سوريا. لذا فإن نجاح الكرد في توحيد رؤيتهم ومواقفهم هو نجاح لكل السوريين الذين يحلمون بوطن حر، تعددي، ديمقراطي.
استلهام نداء القائد عبد الله أوجلان.. وتوسيع فضاء الديمقراطية
ومن خلال ربط المؤتمر بنداء القائد عبد الله أوجلان، يتضح أن التحرك الكردي لا ينطلق من نزعة انعزالية، بل من إيمان عميق بأن التغيير لا يتم إلا عبر بناء المجتمع الديمقراطي. هذا المفهوم الذي طرحه القائد يركز على تحرير المجتمعات من سطوة الدولة القومية الشمولية، وعلى ترسيخ ثقافة المشاركة الشعبية، وإعلاء دور المرأة والشباب كصناع رئيسيين للمستقبل.
إن الحوارات الكردية – الكردية التي تعززت عبر الكونفرانس، هي حجر الأساس لهذا المجتمع المنشود، وهي مقدمة ضرورية لحوار أوسع يشمل جميع مكونات سوريا: الكرد، العرب، السريان، الآشوريين، الشركس، التركمان، وكل الطوائف والأقليات التي يجب أن تجد نفسها ممثلة في العقد الاجتماعي الجديد.
أهمية الكونفرانس على مستوى سوريا
نجاح الكرد في الوصول إلى موقف موحد لا يعزز فقط نضالهم الذاتي، بل يقدّم نموذجاً حياً للسوريين جميعاً عن إمكانية بناء التفاهمات الوطنية بعيداً عن الإملاءات الخارجية أو إرث الصراعات الدموية. وحدة الصف الكردي تعني بالضرورة تكريس مبدأ الإرادة الشعبية الحرة، الذي هو جوهر كل مشروع ديمقراطي ناجح.
كما أن هذا التلاقي الكردي يرسل رسالة قوية إلى القوى الإقليمية والدولية، مفادها أن الكرد ليسوا ورقة بيد أحد، بل قوة وطنية أصيلة، شريكة في بناء السلام، وليست مجرد طرف في نزاعات الوكالة التي مزقت جسد سوريا.
تحديات المرحلة القادمة
وعلى الرغم أهمية الكونفرانس، فإن الطريق أمام المشروع الوحدوي الكردي ليس مفروشاً بالورود. فثمة تحديات داخلية تتعلق بضرورة تجاوز الحساسيات الحزبية والمصالح الضيقة، وتحديات خارجية تتمثل في الضغوط الإقليمية الساعية لإفشال أي مسعى ديمقراطي حقيقي في سوريا. ولكن التمسك بروح نداء القائد عبد الله أوجلان، والاستمرار في الحوار الداخلي، وإشراك كل القوى والمجتمع المدني والمرأة والشباب، يمكن أن يحوّل هذه التحديات إلى فرص حقيقية لبناء واقع جديد.
ختاماً؛ يُعد كونفرانس الوحدة الكردية بمثابة الخطوة الأولى في مسار طويل نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر، ليس للكرد وحدهم، بل لكل السوريين. وحدة الصف الكردي، المستلهمة من نداء السلام والمجتمع الديمقراطي، تمثل حجر الزاوية لإقامة سوريا جديدة، قوامها العدالة والمساواة والتعددية.
إنها لحظة اختبار حقيقي، وفرصة تاريخية، يجب ألّا تضيع. فبقدر ما ينجح الكرد في تحقيق وحدتهم، بقدر ما تقترب سوريا كلها من فجر جديد، يعيد للإنسان السوري كرامته، وللوطن السوري وحدته.