الحسكة/ محمد حمود ـ في يوم العمال العالمي، تسلط صحيفتنا “روناهي” الضوء على معاناة عمال الحسكة، الذين يواجهون تحديات اقتصادية قاسية جراء انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع تكاليف المعيشة، حيث يعملون ساعات طويلة بأجور زهيدة، بظروف عمل شاقة واستغلال ممنهج، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً لتحسين أوضاعهم وحماية حقوقهم.
مع انهيار قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، أصبحت الأجور اليومية لعمال الحسكة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، لذلك يعاني عمال “المياومة” أعباء اقتصادية ثقيلة، حيث يعملون مدة عشر ساعات يوميًا بأجور لا تتناسب مع الغلاء الكبير في أسعار السلع الغذائية، والمياه، والخدمات. هذا الواقع يجبر العمال على تحمل ظروف عمل قاسية، مع انعدام القدرة الشرائية التي تهدد استقرار عائلاتهم. يعكس هذا الوضع أزمة إنسانية عميقة تستلزم حلولاً فورية لدعم العمال.
صراع يومي لتأمين لقمة العيش
وفي السياق، روى المواطن “إسماعيل الجذع“، وهو عامل عتال في الحسكة، قصة كفاحه اليومي في مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية، يبدأ يومه في الصباح الباكر بالتوجه إلى سوق الهال المركزي في مشيرفة، فيقف ساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو البرد القارس، بانتظار فرصة عمل قد لا تأتي: “أحيانًا أنتظر حتى المساء دون عمل، وعندما أحصل على فرصة، يكون الأجر زهيدًا لا يكفي لشراء الخبز والطعام لعائلتي”.
ويواجه الجذع استغلالاً ممنهجًا من أرباب العمل الذين يستفيدون من وفرة العمالة وقلة الفرص؛ ما يجبره على قبول أجور متدنية.
وأضاف الجذع بحسرة: “لا خيار أمامي، إما أعمل بأي سعر أو أعود إلى أطفالي خالي اليدين”، مناشداً، الجهات المسؤولة في الإدارة الذاتية توفير دعم مالي لعمال “المياومة”، وإنشاء فرص عمل مستقرة تحفظ كرامتهم وتضمن حياة لائقة.
تحديات بائع الخضار في ظل الغلاء
ويشارك “ياسر عمار“، بائع خضار على بسطة في أسواق الحسكة، تجربته المؤلمة في مواجهة الغلاء الذي أثر على مناحي الحياة: “أعمل من الفجر حتى الليل لتأمين احتياجات عائلتي، لكن الأسعار ترتفع يوميًا بينما أرباحي تتآكل”.
وأوضح، أن تكاليف المعيشة، بما في ذلك المياه، والتعليم، والعلاج، والمواصلات، أصبحت عبئًا لا يطاق. على سبيل المثال، وصل سعر خزان مياه بسعة خمسة براميل إلى أربعين ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم العمال.
وأضاف عمار: “في السابق، كنت أستطيع ادخار جزء من دخلي، أما الآن فبالكاد أغطي الطعام والشراب.” يطالب ياسر عمار المؤسسات المعنية بربط الأجور بالدولار الأمريكي لمواكبة التضخم، وسن قوانين تحمي العمال من الاحتيال والاستغلال، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي يهدد بمزيد من التدهور إذا لم يتم التدخل.
ظروف العمل القاسية.. إرهاق بدني واستغلال ممنهج
وتتميز أعمال “المياومة” في الحسكة بطبيعتها الشاقة، حيث تشمل نقل مواد البناء، والأثاث المنزلي، والحفريات. فيضطر العمال للوقوف ساعات طويلة في الساحات العامة، تحت أشعة الشمس الحارقة صيفًا أو الأمطار الباردة شتاءً، في انتظار فرصة عمل. فغالبًا ما تكون الأجور غير عادلة بسبب المنافسة العالية بين العمال وقلة الفرص؛ ما يجبرهم على قبول أي عرض مهما كان الثمن زهيدًا. هذه الظروف تزيد من الإرهاق البدني والنفسي، وتعرض العمال للاستغلال والاحتيال من أرباب العمل الذين يستغلون حاجتهم الملحة للعمل.
دور اتحاد الكادحين.. جهود لدعم العمال في ظل إمكانات محدودة
وفي السياق، أكد الرئيس المشترك لاتحاد الكادحين في الحسكة “عمار علي” على الدور النقابي للاتحاد في تحسين أوضاع العمال ضمن الإمكانات المتاحة. فيوفر الاتحاد خدمات أساسية مثل مياه الشرب الباردة، ويحدد ساعات العمل بست ساعات يوميًا، مع تسعيرة عشرة آلاف ليرة سورية للساعة في المنشآت العامة والخاصة.
ويتبنى الاتحاد مبادئ ديمقراطية تهدف إلى حماية حقوق العمال، ويعارض التمييز على أساس الدين أو العرق، كما يسعى لإيجاد فرص عمل دائمة من خلال التنسيق مع المؤسسات المختصة، ويقدم دورات تدريبية لتطوير مهارات العمال. ويعمل الاتحاد على حماية العمال من الأمراض المهنية وحوادث العمل، وحل مشاكلهم بالتعاون مع الجهات المعنية، لكنه يواجه تحديات بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة.
الأسباب الجذرية لأزمة العمال في الحسكة
وتتعدد الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة العمال في الحسكة. أولاً، انهيار قيمة الليرة السورية؛ ما قلل القدرة الشرائية للعمال. ثانيًا، غياب مشاريع تنموية أو استثمارات كبيرة أدى إلى نقص فرص العمل المستقرة؛ ما زاد من الاعتماد على أعمال “المياومة”. ثالثًا، ضعف الرقابة على أسواق العمل سمح باستغلال العمال، حيث يفتقر الكثيرون إلى حماية قانونية تضمن حقوقهم.
ربط الأجور بالدولار الأمريكي
ولتعويض انهيار قيمة الليرة السورية، يتعين على الإدارة الذاتية ربط الأجور اليومية بالدولار الأمريكي. هذا الإجراء سيضمن توافق الأجور مع تكاليف المعيشة المتزايدة، ويمنح العمال قدرة شرائية أفضل لتغطية احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء، والمياه، والإيجار.
سن تشريعات لحماية العمال
ويجب إصدار قوانين صارمة تحمي العمال من الاستغلال والاحتيال، مع فرض عقوبات على أرباب العمل، الذين يدفعون أجورًا غير عادلة أو يفرضون ظروف عمل غير آمنة. هذه التشريعات يمكن أن تشمل تحديد حد أدنى للأجور وتنظيم ساعات العمل لضمان معاملة عادلة.
إنشاء فرص عمل دائمة
وإن تشجيع المشاريع التنموية المحلية، مثل البنية التحتية أو الزراعة، يمكن أن يخلق وظائف مستقرة بدلاً من الاعتماد على أعمال “المياومة”. يتعين على الإدارة الذاتية التنسيق مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل كريمة تلبي احتياجات العمال.
تعزيز دور اتحاد الكادحين
كما أن تزويد اتحاد الكادحين بموارد إضافية سيوسع نطاق خدماته، بما في ذلك توفير التأمين الصحي وحماية العمال من الأمراض المهنية. يمكن للاتحاد أيضًا تنظيم حملات توعية حول حقوق العمال، وتوسيع برامج التدريب المهني لتحسين مهاراتهم.
تحسين ظروف العمل
كما يجب توفير بيئات عمل آمنة من خلال تزويد العمال بمعدات حماية، مثل القفازات والخوذات، وتقليل ساعات الانتظار في الساحات العامة عبر إنشاء منصات تنظيمية تربط العمال بأرباب العمل بشكل عادل. كما يمكن إقامة مراكز استراحة توفر الظل والمياه للعمال.
وتلعب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا دورًا حيويًا في تنظيم سوق العمل وتوفير الحماية القانونية. يتعين عليها التعاون مع اتحاد الكادحين لتطوير سياسات تدعم العمال، مثل إنشاء مراكز تدريب مهني وتوفير تأمين صحي. والمجتمع المدني يمكنه المساهمة عبر مبادرات لدعم العمال، مثل تنظيم حملات لجمع التبرعات أو توفير دورات تدريبية مجانية.
التضامن مع العمال في يومهم العالمي
وفي الأول من أيار 2025، نجدد في صحيفتنا “روناهي” التزامنا بدعم عمال إقليم شمال وشرق سوريا الذين يواجهون ظروفًا اقتصادية قاسية، فتدني الأجور وظروف العمل الشاقة يهددان كرامتهم واستقرارهم، ومن خلال سن تشريعات حماية، وتوفير فرص عمل كريمة، يمكن بناء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق العمال. في يوم العمال العالمي، ندعو إلى تضامن جماعي لضمان مستقبل أفضل للعمال.