روناهي/ دير الزور ـ بلدة الكسرة، الواقعة على هضبةٍ مُشرقة تُطل على وادي الفرات، جوهرة ثمينة في تاج الريف الغربي لمقاطعة دير الزور، حيث تتميز بموقعها الاستراتيجي، وتاريخها العريق، ومخططها العمراني الحديث.
تُعد بلدة الكسرة، والتي تبعد بنحو 44 كيلومتراً شمال غرب دير الزور، أهم بلدات الريف الغربي هناك، حيثُ تُشكل الناحية الإدارية الوحيدة في الريف الغربي للمحافظة، وقد لعبت على مرّ التاريخ، دوراً ريادياً في المنطقة، حيثُ ضمت في الماضي مركزًا صحياً، ومركزاً للقيد المدني، وتجمعاً مدرسياً، بالإضافة إلى كونها مقراً للمدارس الإعدادية والثانوية الوحيدة في الريف الغربي، ما جعلها قبلةً للطلاب من القرى المجاورة. وتشمل ناحية الكسرة إداريًا كسرة تحتاني (زور الكسرة) وحمّار الكسرة، وتُوحد بينهما روابط تاريخية واجتماعية وثيقة.
فيما يسود مناخ صحراوي في ناحية الكسرة، لقلة الأشجار، بينما تتميز كسرة تحتاني وحمار الكسرة بمناخ أكثر اعتدالًا بفضل غناهما بالأشجار الخصبة.
رحلةٌ عبر الزمن.. من عصر البرونز إلى العصر الحديث
وفي السياق، تحدث أحد أهالي بلدة الكسرة “شعيب الحبش المحيمد“، مشيراً، إلى أنه يعود تاريخ الكسرة إلى عصورٍ سحيقة، حيثُ سكنها الإنسان منذ عصر البرونز، كما تدل الآثار المكتشفة في “تل الكسرة”.
وشهدت البلدة ازدهاراً واسعاً واستمرّت مركزاً حضارياً مُهماً، حيث تُشير الروايات إلى أن اسمها مُشتقٌّ إما من اسم حاكمها القديم، أو من انكسار نهر الفرات بالقرب منها.
النمو السكاني
وتابع المحيمد: “وشهدت بلدة الكسرة نمواً سكانياً مُلفتاً، حيثُ ازداد عدد العائلات الساكنة فيها من عائلتين فقط (الحبش والعبود) إلى ما بين 15 و20 عائلةً حالياً”.
وأضاف: “و”المناصرة”، المنحدرون من قبيلة البكارة، هم سكانها الأصليون، إلى جانب عائلاتٍ أخرى مثل المحيمد والبو حسن والبو عزام، وبعض العائلات القادمة من مدينة منبج”.
الزراعة.. شريان الحياة في الكسرة
وأشار المحيمد: “الزراعة عماد الاقتصاد المحلي في الكسرة، حيثُ تُروى الأراضي على مساحة 1060 هكتارًا، ويُزرع فيها “القطن والشوندر السكري والحبوب الشتوية (القمح والشعير)”، بالإضافة إلى الخضروات التي تُزرع للاستهلاك المنزلي، ويُشكل القطن والقمح أهم المحاصيل التي يعتمد عليها السكان كمصدرٍ للدخل”.
مضيفاً: “كما تُربي بعض العائلات الأغنام والأبقار، وتُمارس النساء بعض الصناعات اليدوية، فيما يعمل البعض الآخر في ورشة صيانة الآلات الزراعية”.
وذكر المحيمد، أنه يُخلد تاريخ الكسرة ذكرى أسعد الحسن السلطان، أحد أبرز رموز المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، والذي يُعتبر مثالًا للشجاعة والتضحية.
كما أردف: “وتتميز الكسرة بمزيجٍ متناغمٍ من الأصالة والحداثة، حيثُ تتميز بتنظيمها العمراني الحديث، وتضم سوقًا تجاريًا، وعددًا من المؤسسات الحكومية الخدمية، بما في ذلك مدارس لجميع المراحل التعليمية، ومخابز، ومشفى ومحكمة”.
رمزٌ للتحدي والصمود
واختتم “شعيب الحبش المحيمد”: “تمثل بلدة الكسرة رمزًا للتحدي والصمود في وجه الظروف، حيثُ تُحاول التوفيق بين إرثها العريق ومتطلبات الحياة المعاصرة، وتبقى هذه البلدة، بموقعها الاستراتيجي وطبيعتها الخلابة، شاهدةً على تاريخٍ عريق، وحاضرةً تنبض بالحياة”.