دجوار أحمد آغا
منذ أن وصل حزب (العدالة والتنمية) بزعامة رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا من بوابة إسطنبول، وهو يُمسِك بزمام الأمور على الرغم من تعرضه إلى ضربات قوية في الكثير من الأحيان، إلا أنه مازال يواصل ممارسة الألاعيب السياسيّة ضد خصومه وباسم القانون يزج بهم في المعتقلات والسجون وكان آخرهم المنافس الأبرز لزعيمهم أردوغان، الرجل القوي في حزب الشعب الجمهوريّ وعُمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
يسعى رئيس دولة الاحتلال التركي أردوغان بكل قوة إلى إبعاد أيّ منافس يشكّل خطراً عليه في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، سواء جرت في موعدها المحدد عام 2028 أو أجريت انتخابات مبكرة، لذلك يقوم بعمليات مناورة على مختلف الجبهات الداخليّة من أجل كسب تأييد شعبي بعد أن خسر الكثير من الأصوات الانتخابية وهو يلعب على وتر القومية التركية من جهة، وعلى القضية الكرديّة والسعي لحلها سياسيّاً –كما يقول- من جهة أخرى، لكن يجب على القوى السياسيّة الكرديّة في باكور كردستان وتركيا ألا تنخدع بهذه الوعود ما لم ترَ شيئاً ملموساً على أرض الواقع.
تأسيس حزب العدالة والتنمية
بدأ أردوغان نشاطه السياسيّ في صفوف حزب الخلاص الوطني بزعامة نجم الدين أربكان الذي أُسس بعد انقلاب 12 أيلول 1980 حزب الرفاه الإسلامي في العام 1983. استمر أردوغان العمل تحت راية أربكان الذي رشّحه لرئاسة بلدية إسطنبول حيث فاز فيها واستمر بالعمل كرئيس للبلدية الكبرى من العام 1994 الى 1998. عام 1999 دخل أردوغان السجن بسبب قصيدة ألقاها عام 1997 شبّه فيها المساجد بالثكنات والمآذن بالخنادق والمؤمنين بالجيش.
نتيجة السجن تم حرمانه من العمل السياسيّ لكنه شارك مع رفيقيه عبد الله غول وبولنت أرنتش وانضم إليهم أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وعبد اللطيف شنر وغيرهم حيث أعلنوا في 14 اب 2001 تأسيس حزب (العدالة والتنمية). هذا الحزب الذي من خلاله أحكم أردوغان قبضته على السلطة في تركيا بشكلٍ كبير خاصة بعد أن قام بتصفية رفاق دربه المؤسسين للحزب واحداً تلو الآخر لكي يصفى له الجو ويصبح الحاكم الأوحد في الحزب وفي الدولة والسلطة.
تصفية الحزب من الأعضاء المؤسسين
لكي يستطيع الاستمرار في تنفيذ مخططاته بالسيطرة على مقاليد الحكم وتغيير نظام الحكم البرلمانيّ إلى نظام رئاسيّ يصبح فيه الآمر الناهي، قرر أردوغان التخلص من كل من يقف في طريقه وكان أولهم صديقه المقرّب وأحد أبرز مؤسسي الحزب عبد الله غُول، ومن بعده تخلص من وزير ماليته علي باباجان الذي كان يشكّل خطراً على طموحاته، ثم أكمل التصفيات من خلال التخلص من أحد أهم وأبرز الشخصيات أحمد داود أوغلو ومن بعده عبد اللطيف شنر.
عبد الله غول
يُعتبر عبد الله غول من أبرز الشخصيات السياسيّة التي شاركت في تأسيس حزب العدالة والتنمية الى جانب أردوغان، كما أنه كان معه في حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان. استلم عدة مناصب منها وزير للخارجية ورئيس للوزراء الى أن وصل الى منصب رئيس الجمهوريّة خلال الفترة الممتدة من 2007 الى 2014.
نشب الخلاف بينهم لدى معارضة غول للتعديلات الدستوريّة التي سعى أردوغان الى تمريرها من أجل إحكام قبضته سواء على الأمانة العامة للحزب الحاكم وكذلك تحويل نظام الحكم في تركيا من نظام برلمانيّ الى نظام رئاسيّ. إلى جانب ذلك، كانت هناك قضايا خلافيّة عديدة بين الطرفيين منها تنديد غول بالعنف المفرط الذي يستخدمه رجال الشرطة وخاصةً في احتجاجات غازي بارك التي جرت في إسطنبول عام 3013 وقُتل خلالها العديد من الأشخاص حيث ندّد غول بذلك ما أدّى الى انزعاج أردوغان الذي أضمرها في نفسه إلى أن أرسل تهديداً مبطّناً إلى غول بالابتعاد عن الترشح لمنصب رئاسة الجمهوريّة في الانتخابات الرئاسيّة، الأمر الذي دفع به إلى ترك الحزب.
علي باباجان
يُعد علي باباجان من مؤسسي حزب العدالة والتنمية الى جانب أردوغان وعبد الله غول وغيرهم وقد دخل البرلمان التركي كنائب عن مدينة أنقرة عام 2002. استلم باباجان العديد من المناصب الوزارية في تركيا منها وزارة الاقتصاد والتي ساهم إلى حدٍ كبير في إنعاش الاقتصاد التركي الذي كان يعاني من التضخم والترهل وهو على شفا الهاوية. كما استلم باباجان ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي وكان كبير المفاوضين.
الأعمال التي كان يقوم بها أردوغان وحزب العدالة والتنمية والمخالفة للمبادئ التي يؤمن بها باباجان كما يقول هي التي دفعت به الى ترك الحزب، وفي تحدي واضح لأردوغان، أسس باباجان حزب الديمقراطية والتقدم في آذار 2020م.
يُذكر أن باباجان، وخلال افتتاح مقر حزبه في ولاية صقاريا، انتقد أردوغان وحزبه بقوة وقال: “أضفوا الطابع المؤسسيّ على الإدارة السيئة الفعليّة، من خلال اعتماد النظام الرئاسيّ قبل عامين، ليصبح شخص واحد هو المتحكم في كلِّ شيء، فالرئيس هو من يعيّن مدير الثقافة في أضنة، ويعيّن رئيس فرع الشباب في حزبه، وهو من يملي السياسة النقديّة للبنك المركزيّ، وهو الذي يحدد سعر الشاي”.
أحمد داوود أوغلو
أما أبرز وأهم الشخصيات المؤثرة في حزب العدالة والتنمية التي تركت أردوغان فهو بكلّ تأكيد أحمد داوود أوغلو والذي يعتبر بحق مهندس سياسات العدالة والتنمية. إلى جانب كونه أحد مؤسسي الحزب، وهو أهم منظريه، وصاحب كتاب “العمق الاستراتيجيّ ــ موقع تركيا ودورها في الساحة الدوليّة”، وقد شغل العديدَ من المناصب أهمها وزيراً للخارجيّة خلال 2009 إلى 2014 ورئيس للوزراء من 2014 إلى 2016، وكان أوغلو كسابقيه معارضاً لتحويلِ نظام الحكم من برلمانيّ إلى رئاسيّ وانتقد أردوغان كثيراً خاصةً بعد الخسائر المتكررة في إسطنبول وأنقرة في الانتخاباتِ البرلمانيّة. كما انتقد أردوغان بشكلٍ علنيّ لدى تعيينه لصهره وزيراً للماليّة واصفاً نظام الحكم بالمشوّه.
هذا الأمر لم يُعجب أردوغان الذي أوعز إلى مجلس الحزبِ بتحويل داوود أوغلو إلى مجلسِ التأديب تمهيداً لطرده، وبالفعل تم طرده من الحزب والحكومة، لكنه لم يتوقف عن العمل حيث قام بتأسيس حزب جديد تحت اسم “حزب المستقبل” في العام 2019 الذي يعمل مع حزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان وبالتنسيق مع عبد الله غول من أجل مواجهة أردوغان وإسقاطه في الانتخابات القادمة. عبد اللطيف شنر
أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية وقد شغل منصب نائب أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء خلال الفترة الممتدة بين 2002 الى 2007 كما أصبح وزيراً للماليّة، وقد تحول الى أحد أبرز معارضي الحزب الحاكم وأسلوب رئيسه أردوغان في الحكم والاستحواذ على السلطة. كما حمّل شنر أردوغان مسؤوليّة وجود التنظيمات الإرهابيّة في سوريا، مؤكداً أنَّ هذا النظام قدّم كلَّ أنواع الدعم لهذه التنظيمات بهدف تدمير سوريا خدمة لـ إسرائيل.. وجعل من تركيا ممراً لعبور آلاف الإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم إلى الأراضي السوريّة.
ماذا بعد اعتقال إمام أوغلو؟
لو أنَّ حزب الشعب الجمهوريّ المعارض في تركيا كان قد وقف الى جانب رؤساء بلديات الكرد عندما تم اعتقالهم والزجّ بهم في السجون ووضع حزب العدالة والتنمية الحاكم أعضاء من حزبه قيومين (أوصياء) على البلديات بدلاً ممن تم انتخابهم ديمقراطيّاً وعبر صناديق الاقتراع وحصولهم على أعلى الأصوات، لما تجرأ على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم أمام أوغلو في 19/3/2025، لكن عندما رأى أردوغان وأتباعه عدم وجود من يقف مع رؤساء البلديات الكرد.
ففي 4/11/2024 تم عزل السياسيّ الكرديّ أحمد تورك من رئاسة بلدية ميردين، وكلستان شونوك رئيسة بلدية بطمان، ومحمد كارايلان رئيس لدية خلفيتي. التابعة لمدينة شانلي أورفا، محمد كارايلان، وتعيين أوصياء على البلديات، في 13/1/2025 تم عزل الرئيسين المشتركين لبلدية أكدنيز هوشيار صاري يلديز، ونورية أرسلان، وفي 15/2/2025 عزلت رئيس بلدية مدينة وان عبد الله زيدان واعتقلت 120 مواطناً كرديّاً رغم الحوار المزمع مع الكرد. فيما تواصل اعتقال الساسة الكرد أمثال السيد صلاح الدين دميرتاش وغيرهم.
وقد أراد أردوغان استهداف حزب الشعب الجمهوريّ أكبر أحزاب المعارضة من خلال اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المرشح الرئاسيّ الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، ولن يتوقفَ عن هذا الحدّ، ورغم نزول الآلاف من أنصار المعارضة إلى الشوارع لكنها لم تُحدث أيّ تأثير يُذكر كون التحالف الحاكم (AKP/MHP)، قد فرض سيطرته على كافة مؤسسات الدولة وأصبحت معظم أجهزة الحكم تحت تصرفها من الشرطة والجيش والمحاكم والقضاء فقد اتخذ أردوغان من محاولة الانقلاب في 15/7/2016 ذريعة لشن حملات الاعتقال والإقالة في مختلف مؤسسات الدولة وبخاصةٍ الجيش والأمن، ولم يبقَ مجالاً للمعارضة للقيام بأيّ عملٍ في ظلّ هذه السيطرة المطلقة من جانب التحالف الحاكم، إضافةً إلى عدم انسجام أحزاب المعارضة، وكشفت انتخابات الرئاسة والبرلمان الأخيرة حجم التناقض بينها. الفرصة الأخيرة لإحلال السلام
تُعدُّ رسالة السلام والديمقراطيّة التي أطلقها القائد والمفكر الكبير عبد الله أوجلان بمثابة الفرصة الأخيرة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية من أجل الوصول إلى بر الأمان وإحلال السلام في كردستان وتركيا وعموم الشرق الأوسط. لا بد للسفينة التركيّة التي تصارع الأمواج في بحر الشرق الأوسط الهائج في نهاية المطاف من أن ترسو على البر، وهذا البر هو الذي سوف يحدد وجهتها النهائيّة، فإما أن تكون تركيا جمهوريّة ديمقراطية تعدديّة تعترف بحق الشعب الكرديّ في إدارة نفسه بنفسه وفق نموذج الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة في إطار الجمهورية التركيّة، وإما سيكون مآلها التقسيم مثل بقية دول الشرق الأوسط ذات الأنظمة الدكتاتوريّة القمعيّة.