بيريفان خليل
لازال المجتمع الذكوري في مجتمعات الشرق الأوسط، يحدد أدوار المرأة، وبالتالي بقاؤها في موقع الضعف والاستسلام للواقع والرضوخ لكل قرار يصدر بحقها، والعبارة الأكثر إدراجاً “المرأة مكانها المطبخ” من هنا يرسم لها ملامح مستقبلها الذي يقصيها من لعب دورها بالمجالات الأخرى في الحياة، ينسى تماماً بأن المرأة التي تطبخ هي نفسها التي تبنى الأجيال، ليس هذا فحسب بل ينسى كلياً من أدارت المجتمع الطبيعي في العصر النيولوتي؟ كيف كانت المسؤولة عن الكلانات؟ وكانت الآلهة ورمز الخصوبة في ذلك العصر، لتكتشف الزراعة، والنباتات الطبية وتداوي بها المرضى آنذاك، كل هذا التاريخ ممحى في الذهنية الذكورية، التي تجد المرأة ضلعاً أعوج، ولا تقوى على أي شيء سوى العمل في المنزل، لأن بنيتها ضعيفة، عكس الرجل ذي البنية الجسدية القوية المتمكن بحمل الأثقال، وبقوته العضلية يجد نفسه مالك عرش السلطة، وكأن القوة بالعضلات، وليست قوة فكر.
وإن توقفنا عند هذه النقطة، يمكننا توضيح بعض الحقائق، وهي أن المرأة التي تدير شؤون عائلة، تقوم بمهام عدة، فعدا تنظيف المنزل وإعداد الوجبات، فإنها تربي جيلاً، وتعلمه على القيم والمبادئ والأخلاق، ناهيك عن إدارة كل ما يلزم العائلة داخل المنزل وخارجه والقيام بكل الواجبات، سواء الخاصة بها أو المعنية بكل فرد حتى واجبات الزوج، كل ذلك يراها الرجل، عملاً واحداً تقوم به المرأة، أما هو صاحب العضلات المفتولة. فالعمل الذي يكدح فيه لجلب لقمة العيش للعائلة، والتي يتباهى به دوماً فهو يضاعف ما تقوم به المرأة حسب ادعائه، وهكذا تربت الأجيال على تلك المفاهيم المغالطة، دون تصحيح مسارها على أن الرجل والمرأة بإمكانهما العيش بحياة تشاركية، لكل منهما أدوار وواجبات وحقوق لا تقل عن بعضهما، والتشارك سوياً دون استصغار عمل ومهام أحدهما على الآخر.
فدون فهم العلاقة بينهما لا يمكن تحقيق العدالة المجتمعية، وفي سبيل الوصول إلى مجتمع أخلاقي وسياسي، طرح القائد عبد الله أوجلان الذي بحث في قضايا المجتمع والمرأة معاً ضرورة العيش بأسس الحياة الندية، والتي تضمن لكل من الرجل والمرأة كينونتهما ووجودهما دون أن يتحكم أحدهما على الآخر، وتعمق عن كثب كيف أن الرسمالية قد جردت المرأة من هويتها، ولم ينظر إليها على أنها وجود بل حوَلها سلعة وأداة للدعاية والإعلان، والأفظع من ذلك كله، عدها آلة للإنجاب والإشباع الجنسي، وهذا يوحي بأن المجتمعات تنجرف نحو كوارث نتيجة تلك المفاهيم مما يستدعي ويفرض على الجنسين القيام بخطوات قبيل التهلكة، وهي التسلح بقوة الإرادة الحرة المتكافئة، والابتعاد عن الذهنية التملكية، ولن يتحقق ذلك دون نضال وكفاح ووعي مجتمعي، يُعرف كل جنس على أساس حقيقته، بعيداً عن تحديد الأدوار وبذلك ترسم الحياة الندية، ملامح الديمقراطية والعدالة والمساواة في مجتمعات الشرق الأوسط التي تعاني من الأزمات، وسادت فيها الصراعات نتيجة حرب الذهنية، فيما بين العصرانية الديمقراطية والحداثة الرأسمالية.