علي جعفر العلاق
لا شك في أن أدونيس كان القارع الأول لجرس التحذير من ظاهرة الرتابة، التي بدأت تتشكل في الأفق الشعري الجديد. وكان أول المداهمين لقلعة الثبات في القصيدة العربية. ويمكن اعتباره أهـمّ شاعر أقلق نهر الإيقاع، بحنكة نادرة.
كانت قصيدتاه المثيرتان للدهشة “هذا هو اسمي”، و”مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف” من أكثر إنجازاته دهاءً لكسر الركود الإيقاعيّ في القصيدة العربية، وأكثرها جرأة وأصالة، من خلال توظيف البحور المركبة، وتعدد الأوزان واختلافها، وجدل المكان واللون والكتلة، أو ما يتخلل بنية النصّ من خروقاتٍ غنائية.
ثم قفزت قصيدة التفعيلة قفزة نوعية حين استطاع سعدي يوسف، ومحمود درويش، أن يوسّعا من مدياتها الإيقاعية من ناحية، وأن يكسرا، من ناحية أخرى، رتابتها التي كادت أن تصبح سمة ملازمة للكثير من نماذجها المتداولة. فقد عمل سعدي يوسف، من خلال قدرة شعرية وتجريبية هائلة، على أن يبطئ تدفق السطر التفعيليّ، ويحدّ تسارعه الصافي، حتى بدا لنا الكثير من قصائده، كأنه مكتوب على وزن شعريٍّ ما، واضح ومفروغ منه، للوهلة الأولى.
وقد نضطر أحياناً الى معاودة القراءة والتمعن في النصّ مجدداً، لاكتشاف المجرى الخفيّ والنحيل للإيقاع، وهو يتدفق مبطئاً أو متعثراً أو مشوباً بكدرٍ ما، محسوباً بدقة. وهكذا ليس في المستطاع دائماً تبين إيقاع قصيدة سعدي يوسف، فهي تسير على تماسٍّ حذر مع الإيقاع، أو في مراوغة جليّة له في أحيان كثيرة، حتى بدا للبعض أنها كانت التمهيد الأكبر لقصيدة النثر في الشعر العربي.
وعلى جهة مقابلة، من جهات الكدح الشعريّ والمثابرة المشهودة، يقف محمود درويش، نموذجاً آخر، لأداء المهمة نفسها تقريباً، وإن بطريقة خاصة وبأصالة منقطعة النظير. ومع أنه كان شاعراً يحتله الإيقاع، على حد تعبيره، فإنه لا ينقاد لهيمنة الإيقـاع الواحد، بل كان المتحكم بذلك الإيقاع الطاغي، والقادر على تنويع مساراته وتشعيبها في اتجاهاتٍ شتّى تخدم فضاءاته الجمالية وحقوله الدلالية المترامية الأطراف. وكان يحاول دائماً ترويض إيقاعه الجامح بوسائل عديدة.